389
ميزان الحکمه المجلد الثامن

فبَقيَ في ذلكَ دَهراً طويلاً يَحمَدُ اللَّهَ ويَشكُرُهُ حتّى‏ وَقَعَ في بَدَنهِ الدُّودُ ، فكانَت تَخرُجُ مِن بَدَنهِ فيَرُدُّها فيقولُ لَها : ارجِعي إلى‏ مَوضِعِكِ الّذي خَلَقَكِ اللَّهُ مِنهُ ، ونَتنَ حتّى‏ أخرَجَهُ أهلُ القَريَةِ مِن القَريَةِ وألقَوهُ في المَزبَلَةِ خارِجَ القَريَةِ .
وكانَتِ امرأتُهُ رَحمَةُ بِنتُ أفراييمَ بنِ يُوسفَ ابنِ يَعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهم السلام ، وعلَيها يُتَصَدَّقُ مِن الناسِ وتَأتيهِ بما تَجِدُهُ .
قالَ : فلَمّا طالَ علَيهِ البَلاءُ ورأى‏ إبليسُ صَبرَهُ أتى‏ أصحاباً لأيُّوبَ كانوا رُهباناً في الجِبالِ ، وقالَ لَهُم : مُرُّوا بِنا إلى‏ هذا العَبدِ المُبتلى‏ فنَسألهُ عَن بَليَّتهِ ، فَرَكِبوا بِغالاً شُهباً وجاؤوا ، فلَمّا دَنَوا مِنهُ نَفرَت بِغالُهُم مِن نَتنِ ريحِهِ ، فنَظَرَ بَعضُهُم إلى‏ بَعضٍ ثُمّ مَشَوا إليهِ - وكانَ فيهِم شابٌّ حَدَثُ السِّنِّ - فقَعَدوا إلَيهِ فقالوا : يا أيُّوبُ، لو أخبَرتَنا بذَنبِكَ لَعلَّ اللَّهَ يُهلِكُنا إذا سَألناهُ ، ومانَرى‏ ابتِلاءكَ بهذا البَلاءِ الّذي لَم يُبتَلَ بهِ أحَدٌ إلّا مِن أمرٍ كُنتَ تَستُرُهُ .
فقالَ أيُّوبُ : وعِزَّةِ ربِّي إنّهُ لَيَعلَمُ أ نّي ما أكَلتُ طَعاماً إلّا ويَتيمٌ أو ضَعيفٌ يأكُلُ مَعي ، وما عَرَضَ لي أمرانِ كلاهُما طاعَةُ اللَّهِ إلّا أخَذتُ بأشَدِّهِما على‏ بَدَني ، فقالَ الشّابُّ : سَوءَةً لَكُم ! عَيَّرتُم نَبيَّ اللَّهِ حتّى‏ أظهَرَ مِن عِبادَةِ ربِّهِ ماكانَ يَستُرُها !
فقالَ أيُّوبُ : يارَبِّ، لو جَلَستُ مجلِسَ الحُكمِ مِنكَ لأدلَيتُ بحُجَّتي ، فَبَعثَ اللَّهُ إلَيهِ غَمامَةً فقالَ : يا أيُّوبَ، أدلِ بحُجَّتِكَ فقد أقعَدتُكَ مَقعَدَ الحُكمِ ، وها أنا ذا قَريبٌ ولَم أزَلْ .
فقالَ : يا ربِّ، إنّكَ لَتَعلَمُ أ نّهُ لَم يَعرِضْ لي أمرانِ قَطُّ كِلاهُما لكَ طاعَةٌ إلّا أخَذتُ بأشَدِّهِما على‏ نَفسي ، ألَم أحمَدْكَ ؟! ألَم أشكُرْكَ ؟ ! ألَم اُسَبِّحْكَ ؟ !
قالَ : فنُودِيَ مِن الغَمامَةِ بعَشرَةِ آلافِ لِسانٍ : يا أيُّوبُ، مَن صَيَّرَكَ تَعبُدُ اللَّهَ والنّاسُ عَنهُ غافِلونَ؟! وتَحمَدُهُ


ميزان الحکمه المجلد الثامن
388

كلام في قصّة أيّوب عليه السلام، في فصول :

1 . قصّته عليه السلام في القرآن :

«لم يُذكر من قصّته في القرآن إلّا ابتلاؤه بالضرّ في نفسه وأولاده ، ثمّ تفريجه تعالى‏ بمعافاته وإيتائه أهله ومثلهم معهم رحمة منه وذكرى‏ للعابدين (الأنبياء : 83 ، 84 ، ص : 41 - 44) .

2 . جميل ثنائه عليه السلام :

ذكره تعالى‏ في زمرة الأنبياء من ذرّيّة إبراهيم عليهم السلام في سورة الأنعام وأثنى‏ عليهم بكلّ ثناء جميل (الأنعام : 84 - 90) وذكره في سورة ص فعدّه صابراً ونِعم العبد وأوّاباً (ص : 44) .

3 . قصّته عليه السلام في الروايات :

في تفسيرِ القمّيّ : حدّثَني أبي عن ابن فضّالٍ عن عبداللَّهِ بنِ بَحرٍ عنِ ابنِ مسكانَ عن أبي بَصيرٍ عن أبي عبدِاللَّهِ عليه السلام قالَ : سَألتُهُ عن بَلِيَّةِ أيُّوبَ الّتي ابتُلِيَ بها في الدّنيا: لأيِّ عِلّةٍ كانَت ؟ قالَ : لِنِعمَةٍ أنعَمَ اللَّهُ عَزَّوجلَّ علَيهِ بِها في الدّنيا وأدّى‏ شُكرَها ، وكانَ في ذلكَ الزّمانِ لا يُحجَبُ إبليسُ دُونَ العَرشِ ، فلَمّا صَعِدَ ورأى‏ شُكرَ نِعمَةِ أيُّوبَ حَسَدَهُ إبليسُ ، فقالَ : ياربِّ ، إنّ أيُّوبَ لم يُؤَدِّ إليكَ شُكرَ هذهِ النِّعمَةِ إلّا بما أعطَيتَهُ مِن الدّنيا ، ولو حَرَمتَهُ دُنياهُ ما أدّى‏ إليكَ شُكرَ نِعمَةٍ أبَداً ، فَسَلّطْني على‏ دُنياهُ حتّى‏ تَعلَمَ أ نّهُ لَم يُؤَدِّ إليكَ شُكرَ نِعمَةٍ أبَداً ، فقيلَ لَهُ : قد سَلَّطتُكَ على‏ مالِهِ ووُلدِهِ .
قالَ : فانحَدَرَ إبليسُ فلَم يُبقِ لَهُ مالاً ولا وَلَداً إلّا أعطَبَهُ ، فازْدادَ أيُّوبُ للَّهِ شُكراً وحَمداً ، وقالَ : فسَلِّطْني على‏ زَرعِهِ يا رَبِّ . قالَ : قد فَعَلتُ ، فجاءَ مَع شَياطينهِ فنَفَخَ فيهِ فاحتَرَقَ ، فازدادَ أيُّوبُ للَّهِ شُكراً وحَمداً ، فقالَ : ياربِّ سَلِّطْني على‏ غَنَمِهِ فأهلَكَها ، فازدادَ أيُّوبُ للَّهِ شُكراً وحَمداً ، فقالَ : يا ربِّ سَلِّطْني على‏ بَدَنهِ ، فَسلَّطَهُ على‏ بَدَنهِ ماخَلا عَقلَهُ وعَينَيهِ ، فنَفَخَ فيهِ إبليسُ فصارَ قُرحَةً واحِدَةً مِن قَرنهِ إلى‏ قَدَمهِ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 155030
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي