391
ميزان الحکمه المجلد الثامن

عن أبيهِ عن جعفرِ بنِ محمّدٍ عن أبيهِ عليهم السلام قالَ : إنّ أيُّوبَ عليه السلام ابتُلِيَ سَبعَ سِنينَ مِن غَيرِ ذَنبٍ ، وإنّ الأنبياءَ لايُذنِبونَ لأ نّهُم مَعصومونَ مُطَهَّرونَ لا يُذنِبونَ ولا يَزيغونَ ولا يَرتَكِبونَ ذَنباً صَغيراً ولا كبيراً .
وقالَ : إنّ أيُّوبَ مِن جميعِ ما ابتُلِيَ بهِ لَم تُنتِنْ لَهُ رائحَةٌ ، ولا قَبُحَت لَهُ صُورَةٌ ، ولا خَرَجَت مِنهُ مُدَّةٌ من دَمٍ ولا قَيحٍ ، ولا استَقذَرَهُ أحَدٌ رآهُ ، ولا استَوحَشَ منهُ أحَدٌ شاهَدَهُ ، ولا تَدَوَّدَ شي‏ءٌ مِن جَسَدِهِ ، وهكذا يَصنَعُ اللَّهُ عَزَّوجلَّ بجَميعِ مَن يَبتَليهِ مِن أنبيائهِ وأوليائهِ المُكرَمينَ علَيهِ .
وإنّما اجتَنَبَهُ النّاسُ لِفَقرِهِ وضَعفِهِ في ظاهِرِ أمرِهِ ؛ لِجَهلِهِم بما لَهُ عندَ ربِّهِ تعالى‏ ذِكرُهُ من التأييدِ والفَرَجِ ، وقد قالَ النّبيُّ صلى اللَّه عليه وآله : أعظَمُ النّاسِ بَلاءً الأنبياءُ ثُمّ الأمثَلُ فالأمثَلُ .
وإنّما ابتَلاهُ اللَّهُ بالبَلاءِ العَظيمِ الّذي يَهونُ مَعهُ على‏ جَميعِ النّاسِ لِئلّا يَدَّعوا لَهُ الرُّبوبيّةَ إذا شاهَدوا ما أرادَ اللَّهُ أن يُوصِلَهُ إلَيهِ مِن عَظائمِ نِعَمِهِ مَتى‏ شاهَدوهُ ، وليَستَدِلّوا بذلكَ على‏ أنّ الثَّوابَ مِن اللَّهِ على‏ ضَربَينِ : استِحقاقٌ واختِصاصٌ ، ولِئلّا يَحتَقِروا ضَعيفاً لضَعفِهِ ولا فَقيراً لفَقرِهِ ولا مَريضاً لمَرَضهِ ، وليَعلَموا أ نّهُ يُسقِمُ مَن يَشاءُ ويَشفي مَن يَشاءُ مَتى‏ شاءَ كيفَ شاءَ بأيِّ سَبَبٍ شاءَ ، ويَجعَلُ ذلكَ عِبرَةً لِمَن شاءَ وشَقاوَةً لِمَن شاءَ وسَعادَةً لِمَن شاءَ ، وهُو عَزَّوجلَّ في جَميعِ ذلكَ عَدلٌ في قَضائهِ ، وحَكيمٌ في أفعالِهِ لا يَفعَلُ بعِبادِهِ إلّا الأصلَحَ لَهُم ولا قُوّةَ لَهُم إلّا بهِ .
وفي «تفسير القمّي» - في قوله تعالى‏ : (وَوَهَبْنا لَهُ أهْلَهُ ومِثْلَهُم مَعَهُم ...)۱ الآية - قال : فرَدَّ اللَّه عليه أهلَه الّذين ماتوا قبل البلاء ، وردّ عليه أهلَه الّذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء ؛ كلّهم أحياهم اللَّه له فعاشوا معه .

1.ص : ۴۳ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
390

وتُسَبِّحُهُ وتُكَبِّرُهُ والنّاسُ عَنهُ غافِلونَ ؟! أتَمُنُّ علَى اللَّهِ بِما للَّهِ فيهِ المِنّةُ علَيكَ ؟! قالَ : فأخَذَ التُّرابَ ووضَعَهُ في فيهِ ، ثُمّ قالَ : لكَ العُتبى‏ يا ربِّ ، أنتَ فَعَلتَ ذلكَ بِي .
فأنزَلَ اللَّهَ عليهِ مَلَكاً فَرَكضَ برِجلِهِ فخَرَجَ الماءُ فغَسَلَهُ بذلكَ الماءِ فعادَ أحسَنَ ما كانَ وأطرأَ ، وأنبَتَ اللَّهُ علَيهِ رَوضَةً خَضراءَ ، ورَدَّ علَيهِ أهلَهُ ومالَهُ وولدَهُ وزَرعَهُ ، وقَعَدَ مَعهُ المَلَكُ يُحَدِّثُهُ ويُؤنِسُهُ .
فأقبَلَتِ امرأتُهُ مَعها الكِسرَةُ۱ ، فلَمّا انتَهت إلَى المَوضِعِ إذا المَوضِعُ مُتَغيِّرٌ وإذا رجُلانِ جالِسانِ! فبَكَت وصاحَت وقالَت : يا أيُّوبُ، ما دَهاكَ ؟! فناداها أيُّوب، فأقبَلَتْ فلَمّا رأتهُ وقد رَدَّ اللَّهُ علَيهِ بَدَنَهُ ونِعَمَهُ سَجَدَتْ للَّهِ شُكراً ، فرأى‏ ذُؤابَتَها مَقطوعَةً ، وذلكَ أ نّها سألَتْ قَوماً أن يُعطوها ما تَحمِلُهُ إلى‏ أيُّوبَ مِن الطَّعامِ - وكانَت حسَنَةَ الذَّوائبِ - فقالوا لها : تَبيعينا ذُؤابَتَكِ هذهِ حتّى‏ نُعطيَكِ ؟ فقَطَعَتها ودفَعَتها إلَيهِم وأخَذَت مِنهُم طَعاماً لأيُّوبَ ، فلَمّا رآها مَقطوعَةَ الشَّعرِ غَضِبَ وحَلَفَ علَيها أن يَضرِبَها مِائةً ، فأخبَرتهُ أ نّهُ كانَ سَبَبُهُ كَيتَ وكَيتَ ، فاغتَمَّ أيّوبُ من ذلكَ فأوحَى اللَّه عَزَّوجلَّ إليهِ : ( خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضْرِبْ بهِ ولا تَحْنَثْ)۲ ، فأخَذَ عِذقاً مُشتَمِلاً على‏ مِائةِ شِمراخٍ فضَرَبَها ضَربَةً واحِدَةً فخَرَجَ مِن يَمينهِ .
أقول : وروي عن ابن عبّاس ما يقرب منه ، وعن وهب أنّ امرأته كانت بنت ميشا بن يوسف . والرواية - كما ترى‏ - تذكر ابتلاءه بما تتنفّر عنه الطّباع ، وهناك من الروايات ما يؤيّد ذلك ، لكنّ بعض الأخبار المرويّة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ينفي ذلك وينكره أشدّ الإنكار كما يأتي .
وعن «الخصال» : القطّانُ عن السُّكّريِّ عنِ الجَوهريِّ عن ابن عمارةَ

1.الكسرة : القطعة من الخبز .

2.ص : ۴۴ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 155001
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي