399
ميزان الحکمه المجلد الثامن

وبالغ عليه السلام في الاحتجاج عليهم وعظتهم فلم يزدهم إلّا طغياناً وكفراً وفسوقاً (الأعراف وهود وغيرهما من السور). ولم يؤمنوا به إلّا عدّة قليلة منهم ، فأخذوا في إيذائهم والسخرية بهم وتهديدهم عن اتّباع شعيب عليه السلام ، وكانوا يقعدون بكلّ صراط يوعدون ويصدّون عن سبيل اللَّه من آمن به ويبغونها عِوَجاً (الأعراف : 86) .
وأخذوا يرمونه عليه السلام بأنّه مسحور وأنّه كاذب (الشعراء : 185 ، 186) وأخافوه بالرجم ، وهدّدوه والذين آمنوا به بالإخراج من قريتهم أو ليعودنّ في ملّتهم (الأعراف : 88) . ولم يزالوا به حتّى‏ أيأسوه من إيمانهم ، فتركهم وأنفسهم (هود : 93) . ودعا اللَّه بالفتح قال : ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين .
فأرسل اللَّه إليهم عذاب يوم الظُّلّة (الشعراء : 189) ، وقد كانوا يستهزؤون به أن أسقِطْ علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين ، وأخذتهم الصيحة (هود : 94) والرجفة (الأعراف : 91 ، العنكبوت : 37) فأصبحوا في ديارهم جاثمين ، ونجّى شعيباً ومن معه من المؤمنين (هود : 94) فتولّى‏ عنهم وقال : يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربّي ونصحت لكم، فكيف آسى‏ على‏ قوم كافرين ؟! (الأعراف : 93) .

2 . شخصيّته المعنويّة :

كان عليه السلام من زمرة الرسل المكرّمين ، وقد أشركه اللَّه تعالى‏ فيما أثناهم به من الثناء الجميل في كتابه ، وقد حكى‏ عنه فيما كلّم به قومه - وخاصّةً في سُور الأعراف وهود والشعراء - شيئاً كثيراً من حقائق المعارف والعلوم الإلهيّة والأدب البارع مع ربّه ومع الناس .
وقد سمّى‏ نفسه الرسول الأمين (الشعراء : 178) ومصلحاً (هود : 88) وأنّه من الصالحين (الشعراء : 27) فحكى اللَّه ذلك عنه حكاية إمضاء ،


ميزان الحکمه المجلد الثامن
398

۱۹۷۰۹.كنز العمّال عن شَدّادِ بنِ أوسٍ : بكى‏ شُعَيبٌ النبيُّ مِن حُبِّ اللَّهِ عَزَّوجلَّ حتّى‏ عَمِيَ ، فَردَّ اللَّهُ إلَيهِ بَصَرَهُ وأوحَى اللَّهُ إلَيهِ : يا شُعَيبُ ، ما هذا البُكاءُ ؟ أشَوقاً إلَى الجَنّةِ أو فَرَقاً مِن النّارِ ؟ قالَ : إلهي وسَيّدي ، أنتَ تَعلَمُ ما أبكي شَوقاً إلى‏ جَنّتِكَ ولا فَرَقاً مِن النّارِ ، ولكنِ اعتَقَدتُ حُبَّكَ بقَلبي ، فإذا أنا نَظَرتُ إلَيكَ فما اُبالي ما الّذي صُنِعَ بي .
فأوحَى اللَّهُ إلَيهِ : يا شُعَيبُ ، إنْ يَكُ ذلكَ حَقّاً فَهَنيئاً لكَ لِقائي يا شُعَيبُ ؛ ولذلكَ أخدَمتُكَ موسَى ابنَ عِمرانَ كَلِيمي .۱

كلام في قصّة شعيب عليه السلام وقومه في القرآن، في فصول :

«1 . هو عليه السلام ثالثُ الرّسل من العرب الذين ذُكرت أسماؤهم في القرآن وهم : هود وصالح وشعيب ومحمّد عليهم السلام . ذكر اللَّه تعالى‏ طرَفاً من قصصه في سور الأعراف وهود والشعراء والقصص والعنكبوت .
كان عليه السلام من أهل مَديَن - مدينة في طريق الشام من الجزيرة - وكان معاصراً لموسى‏ عليه السلام ، وقد زوّجه إحدى‏ ابنتيه على‏ أن يأجُره ثمانيَ حِجج وإن أتمّ عشراً فمن عنده (القصص : 27)، فخدمه موسى‏ عشر سنين ، ثمّ ودّعه وسار بأهله إلى‏ مصر .
وكان قومه من أهل مَديَن يعبدون الأصنام ، وكانوا قوماً مُنعَّمين بالأمن والرفاهية والخصب ورخص الأسعار ، فشاع الفساد بينهم والتطفيف بنقص المكيال والميزان (هود : 84 وغيرها)، فأرسل اللَّه إليهم شعيباً وأمره أن ينهاهم عن عبادة الأصنام وعن الفساد في الأرض ونقص المكيال والميزان ، فدعاهم إلى‏ ما اُمر به ، ووعظهم بالإنذار والتبشير ، وذكّرهم ما أصاب قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط .

1.كنز العمّال : ۳۵۵۸۰ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182740
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي