407
ميزان الحکمه المجلد الثامن

ثمّ مكث في مَدين عند شعيب النبيّ عليه السلام، وتزوّج إحدى‏ بنتيه .
ثمّ لمّا قضى‏ موسَى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً وقد ضلّوا الطريق في ليلةٍ شاتيةٍ ، فأوقفهم مكانهم وذهب إلَى النّار ليأتيهم بقبسٍ أو يجد علَى النار هدى‏، فلمّا أتاها ناداه اللَّه من شاطئ الوادي‏الأيمن‏في البقعةالمباركة من الشجرة ، وكلّمه واجتباه وآتاه معجزة العصا واليد البيضاء في تسع آيات ، واختاره للرسالة إلى‏ فرعون وملئه وإنجاء بني إسرائيل وأمره بالذهاب إليه .
فأتى‏ فرعون ودعاه إلى‏ كلمة الحقّ وأن يرسل معه بني إسرائيل ولا يعذّبهم ، وأراه آية العصا واليد البيضاء فأبى‏ ، وعارضه بسحر السَّحَرة وقد جاؤوا بسحر عظيمٍ من ثعابين وحيّات ، فألقى‏ عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ، فاُلقي السّحرة ساجدين قالوا : آمنّا بربّ العالمين ربّ موسى‏ وهارون ، وأصرّ فرعون على‏ جحوده وهدّد السَّحَرة ولم يؤمن.
فلم يزل موسى‏ عليه السلام يدعوه وملأه ويريهم الآية بعد الآية كالطوفان والجراد والقُمّل والضفادع والدم آياتٍ مفصّلاتٍ‏وهم‏يصرّون علَى استكبارهم ، وكلّما وقع عليهم الرّجز قالوا : يا موسى‏ ، ادع لنا ربّك بما عَهِد عندك لئن كشفت عنّا الرجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل ، فلمّا كشف اللَّه عنهم الرجز إلى‏ أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون .
فأمره اللَّه أن يسري ببني إسرائيل ليلاً ، فساروا حتّى‏ بلغوا ساحل البحر ، فعقّبهم فرعون بجنوده،فلمّا تراءى‏الفريقان قال أصحاب موسى‏ : إنّا لَمُدرَكون . قال : كلّا إنّ معي ربّي سيهدين . فاُمر بأن يضرب بعصاه البحر فانفلق الماء فجاوزوا البحر ، وأتبعهم فرعون وجنوده حتّى‏ إذا ادّاركوا فيها جميعاً أطبق اللَّه عليهم الماء فأغرقهم عن آخرهم .
ولمّا أنجاهم اللَّه من فرعون وجنوده وأخرجهم إلَى البرّ ولا ماء


ميزان الحکمه المجلد الثامن
406

وهدمه الهيكل ، وإحراقه التوراة ، وحشره اليهود إلى‏ بابل سنة خمس مائةٍ وثمانٍ وثمانين قبل المسيح ، ثمّ فتح كورش الملك بابل سنة خمس مائة وثمانٍ وثلاثين قبل المسيح ، وإذنه لليهود أن يرجعوا إلى‏ فلسطين ثانياً ، وكتابة عزراء الكاهن التوراة لهم معروفٌ في التواريخ ، وقد تقدّمت الإشارة إليه في الجزء الثالث من الكتاب في قصص المسيح عليه السلام .

2 . قصص موسى‏ عليه السلام في القرآن :

هو عليه السلام أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن الكريم ، فقد ذكر اسمه - على‏ ما عدّوه - في مائةٍ وستّةٍ وستّين موضعاً من كلامه تعالى‏ ، واُشير إلى‏ قصّته إجمالاً أو تفصيلاً في أربعٍ وثلاثين سورةً من سور القرآن . وقد اختصّ من بين الأنبياء بكثرة المعجزات ، وقد ذكر في القرآن شي‏ءٌ كثيرٌ من معجزاته الباهرة كصيرورة عصاه ثعباناً ، واليد البيضاء ، والطوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، وفلق البحر ، وإنزال المنّ والسّلوى‏ ، وانبجاس العيون من الحجر بضرب العصا ، وإحياء الموتى‏ ، ورفع الطّور فوق القوم ، وغير ذلك .
وقد ورد في كلامه تعالى‏ طرَف من قصصه عليه السلام من دون استيفائها في كلّ مادقّ وجلّ ، بل بالاقتصار على‏ فصول منها يهمّ ذكرها لغرض الهداية والإرشاد ، على‏ ما هو دأب القرآن الكريم في الإشارة إلى‏ قصص الأنبياء واُممهم .
وهذه الفصول التي فيها كلّيّات قصصه هي : أنّه تولّد بمصر في بيتٍ إسرائيليّ حينما كانوا يذبحون المواليد الذُّكور من بني إسرائيل بأمر فرعون ، وجعلت اُمّه إيّاه في تابوت وألقته في البحر ، وأخذ فرعون إيّاه ثمّ ردّه إلى‏ اُمّه للإرضاع والتربية ونشأ في بيت فرعون .
ثمّ بلغ أشدّه وقتل القبطيّ وهرب من مصر إلى‏ مَديَن خوفاً من فرعون وملئه أن يقتلوه قصاصاً .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 153015
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي