419
ميزان الحکمه المجلد الثامن

عِلْماً)1 ، والّذي يتحصّل من الروايات النبويّة أو الواردة من طرق أئمّة أهل البيت في قصته ؛ ففي رواية محمّد بن عمارة عن الصادق عليه السلام : أنّ الخضر كان نبيّاً مُرسَلاً بعثه اللَّه تبارك وتعالى‏ إلى‏ قومه فدعاهم إلى‏ توحيده والإقرار بأنبيائه ورسله وكتبه ، وكان آيته أنّه لا يجلس على‏ خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلّا أزهرت خضراء ، وإنّما سُمّي خضراً لذلك ، وكان اسمه تاليا بن مالك بن عابر بن ارفخشد بن سام بن نوح ... الحديث . ويؤيّد ما ذكر من وجه تسميته ما في «الدرّ المنثور» عن عدّة من أرباب الجوامع عن ابن عبّاس وأبي هريرة عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله قال : إنّما سُمّيَ الخضرُ خضراً لأنّهُ صلّى‏ على‏ فَروَةٍ بيضاءَ فاهتَزَّت خَضراءَ .
وفي بعض الأخبار - كما فيما رواه العيّاشيّ عن بُرَيد عن أحدهما عليهما السلام - : الخضر وذو القرنَين كانا عالِمَينِ ولم يكونا نَبِيَّينِ ... الحديث ، لكنّ الآيات النازلة في قصّته مع موسى‏ لا تخلو عن ظهور في كونه نبيّاً، كيف وفيها نزول الحكم عليه ؟!
ويظهر من أخبار متفرّقة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّه حيّ لم يمت بعد ، وليس بعزيز علَى اللَّه سبحانه أن يُعمِّر بعض عباده عمراً طويلاً إلى‏ أمد بعيد ، ولا أنّ هناك برهاناً عقليّاً يدلّ علَى استحالة ذلك .
وقد ورد في سبب ذلك في بعض الروايات من طرق العامّة أنّه ابن آدم لصلبه ونُسِئ له في أجله حتى‏ يكذِّب الدجّال . وفي بعضها أنّ آدم عليه السلام دعا له بالبقاء إلى‏ يوم القيامة . وفي عدّة روايات من طرق الفريقَين أنّه شرب من عين الحياة التي هي في الظلمات حين دخلها ذو القَرنَين في طلبها، وكان الخضر في مقدّمته ، فرُزِقَه الخضر ولم يُرزَقه ذوالقَرنَين ، وهذه وأمثالها آحاد غير قطعيّة من الأخبار لا سبيل إلى‏ تصحيحها بكتاب أو سنّة قطعيّة أو عقل .

1.الكهف : ۶۵ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
418

مفارقته ونفسه غير راضية بها ، فاستدعى‏ منه مصاحبة مؤجّلة بسؤال آخر إن أتى به كان له فراقه ، واستمهله قائلاً : إن سألتك عن شي‏ء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً ، وقبله العالم .
فانطلقا حتّى‏ أتيا قرية - وقد بلغ بهما الجوع - فاستطعما أهلها فلم يضيّفهما أحد منهم ، وإذا بجدار فيها يريد أن ينقضّ ويتحذّر منه الناس فأقامه العالم ، قال له موسى‏ : لو شئتَ لاتّخذتَ على عملك منهم أجراً فتوسّلنا به إلى سدّ الجوع ، فنحن في حاجة إليه والقوم لا يضيّفوننا !
فقال له العالم : هذا فراقُ بيني وبينك ، ساُنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً . ثمّ قال : أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ويتعيّشون بها ، وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصباً، فخرقتُها لتكون مَعيبة لا يرغب فيها.
وأمّا الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنَين ، ولو أنّه عاش لأرهقهما بكفره وطغيانه ، فشملتهما الرحمة الإلهيّة ، فأمرني أن أقتله ليبدلهما ولداً خيراً منه زكاةً وأقرب رُحماً ، فقتلته .
وأمّا الجدار فكان لغلامَين يتيمَين في المدينة وكان تحته كنز لهما ، وكان أبوهما صالحاً ، فشملتهما الرحمة الإلهيّة لصلاح أبيهما ، فأمرني أن اُقيمه فيستقيم حتّى‏ يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما ، ولو انقضّ لظهر أمر الكنز وانتهبه الناس .
قال : وما فعلت الذي فعلت عن أمري بل عن أمر من اللَّه، وتأويلها ما أنبأتك به، ثمّ فارق موسى‏.

2 . قصّة الخضر عليه السلام:

لم يرد ذكره في القرآن إلّا ما في قصّة رحلة موسى‏ إلى‏ مجمع البحرين ، ولا ذكر شي‏ء من جوامع أوصافه إلّا ما في قوله تعالى‏ : (فوَجَدا عَبْداً مِن عِبادِنا آتَيْناهُ رَحمَةً مِن عِندِنا وعَلَّمْناهُ مِن لَدُنّا

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 179833
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي