507
ميزان الحکمه المجلد الثامن

الغضب والسخط عليهم ، فكان ظاهر حاله حال من يأبق من ربّه مغاضباً عليه ظانّاً أنّه لا يقدر عليه ، وركب البحر في فُلك مشحون ، فعرض لهم حوت عظيم لم يجدوا بدّاً من أن يلقوا إليه واحداً منهم يبتلعه وينجو الفلك بذلك ، فساهموا وقارعوا فيما بينهم فأصابت يونس عليه السلام ، فألقوه في البحر فابتلعه الحوت ونجت السفينة .
ثمّ إنّ اللَّه سبحانه حفظه حيّاً سويّاً في بطنه أيّاماً وليالي ، ويونس عليه السلام يعلم أنّها بليّة ابتلاه اللَّه بها مؤاخذة بما فعل ، وهو ينادي في بطنه أن (لا إلهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِن الظّالِمينَ) .
فاستجاب اللَّه له ، فأمر الحوت أن يلفظه ، فنبذه بالعراء وهو سقيم ، فأنبت اللَّه سبحانه عليه شجرة من يقطين يستظلّ بأوراقها ، ثمّ لمّا استقامت حاله أرسله إلى قومه ، فلبّوا دعوته وآمنوا به فمتّعهم اللَّه إلى حين .
والأخبار الواردة من طرق أئمّة أهل البيت عليهم السلام على كثرتها ، وبعض الأخبار من طرق أهل السنّة ، مشتركة المتون في قصّة يونس عليه السلام على النحو الذي يستفاد من الآيات ، وإن اختلفت في بعض الخصوصيّات الخارجة عن ذلك .۱

2 . قصّته عليه السلام عند أهل الكتاب :

هو عليه السلام مذكور باسم يوناه بن إمتاي في مواضع من العهد القديم ، وكذا في مواضع من العهد الجديد اُشير في بعضها إلى‏ قصّة لبثه في بطن الحوت ، لكن لم تذكر قصّته الكاملة في شي‏ء منهما .
ونقل الآلوسي في روح المعاني في قصّته عند أهل الكتاب - ويؤيّده ما في بعض كتبهم - من إجمال‏۲القصّة :
أنّ اللَّه أمره بالذهاب إلى‏ دعوة أهل نينوى‏ وكانت إذ ذاك عظيمة جدّاً

1.قال العلّامة الطباطبائيّ : ولذلك لم نوردها لأ نّها في نفسها آحادلا حجّيّة لها في مثل المقام ولا يمكن تصحيح خصوصياتها بالآيات ، وهو ظاهر لمن راجعها .

2.قاموس الكتاب المقدّس (كما في هامش المصدر).


ميزان الحکمه المجلد الثامن
506

إباقه وركوبه الفُلك وإلتقام الحوت له ثمّ نجاته وإرساله إلَى القوم وإيمانهم ، قال تعالى‏ : (وإنَّ يُونُسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ * إذ أبَقَ إلَى الفُلْكِ المَشْحونِ ...) الآيات .
وفي سورة الأنبياء لتسبيحه في بطن الحُوت وتنجيته ، قال تعالى‏ : (وذا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ علَيهِ فَنادى‏ في الظُّلُماتِ أنْ لا إلهَ إلّا أنْتَ سُبحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ * فاسْتَجَبْنا لَهُ ونَجَّيْناهُ مِن الغَمِّ وكذلكَ نُنْجي المُؤمِنينَ) .۱
وفي سورة «ن» لندائه مكظوماً وخروجه من بطنه واجتبائه ، قال تعالى‏ : (فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ولا تَكُن كَصاحِبِ الحُوتِ إذْ نادى‏ وَهُوَ مَكْظومٌ * لَولا أنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِن رَبِّهِ لَنُبِذَ بالعَراءِ وهُوَ مَذْمُومٌ * فاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحينَ) .۲
وفي سورة يونس لإيمان قومه وكشف العذاب عنهم قال تعالى‏ : (فلَولا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيْمانُها إلّا قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الخِزْيِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَمَتَّعْناهُم إلى‏ حِينٍ) .۳
وخلاصة ما يستفاد من الآيات بضمّ بعضها إلى‏ بعض واعتبار القرائن الحافّة بها : أنّ يونس عليه السلام كان من الرسل أرسله اللَّه تعالى‏ إلى‏ قومه وهم جمع كثير يزيدون على‏ مائة ألف فدعاهم فلم يجيبوه إلّا بالتكذيب والردّ ، حتّى‏ جاءهم عذاب أوعدهم به يونس ، ثمّ خرج من بينهم .
فلمّا أشرف عليهم العذاب وشاهدوه مشاهدة عيان أجمعوا علَى الإيمان والتوبة إلَى اللَّه سبحانه ، فكشف اللَّه عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا .
ثمّ إنّ يونس عليه السلام استخبر عن حالهم فوجد العذاب انكشف عنهم - وكأنّه لم يعلم بإيمانهم وتوبتهم - فلم يعد إليهم ، وذهب لوجهه على‏ ما به من

1.الأنبياء : ۸۷ ، ۸۸ .

2.القلم : ۴۸ - ۵۰ .

3.يونس : ۹۸ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 155023
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي