509
ميزان الحکمه المجلد الثامن

والبهائم طعاماً ولا شراباً . وجأروا إلَى اللَّه تعالى‏ ورجعوا عن الشرّ والظلم ، فرحمهم اللَّه ولم ينزل بهم العذاب .
فحزن يونس وقال : إلهي من هذا هربت ، فإنّي علمت أنّك الرحيم الرؤوف الصبور التوّاب . ياربّ، خذ نفسي فالموت خير لي من الحياة ، فقال : يا يونس ، حزنت من هذا جدّاً ؟ فقال : نعم ياربّ .
وخرج يونس وجلس مقابل المدينة ، وصنع له هناك مظلّة وجلس تحتها إلى‏ أن يرى ما يكون في المدينة ، فأمر اللَّه يقطيناً فصعد على‏ رأسه ليكون ظِلّاً له من كربه ، ففرح باليقطين فرحاً عظيماً ، وأمر اللَّه تعالى دودة فضربت اليقطين فجفّ ، ثمّ هبّت ريح سموم وأشرقت الشمس على‏ رأس يونس ، فعظم الأمر عليه واستطاب الموت .
فقال الربّ : يايونس ، أحزنت جدّاً علَى اليقطين ؟ فقال : نعم ياربّ حزنت جدّاً ، فقال تعالى‏ : حزنت عليه وأنت لم تتعب فيه ولم تربّه بل صار من ليلته وهلك من ليلته ، فأنا لا أشفق على‏ نينوى‏ المدينة العظيمة التي فيها أكثرمن اثنا عشر ربوة من الناس ؟! قوم لا يعلمون يمينهم ولا شمالهم وبهائمهم كثيرة! انتهى‏ .
وجِهات اختلاف القصّة مع ما يستفاد من القرآن الكريم ظاهرة ، كالفرار من الرسالة وعدم رضاه برفع العذاب عنهم مع علمه بإيمانهم وتوبتهم .
فإن قلت : نظير ذلك وارد في القرآن الكريم ، كنسبة الإباق إليه في سورة الصافّات ، وكذا مغاضبته وظنّه أنّ اللَّه لن يقدر عليه على ما في سورة الأنبياء .
قلت : بين النسبتين فرق ؛ فكتبهم المقدّسة أعني العهدَين لا تأبى عن نسبة المعاصي حتَّى الكبائر الموبقة إلَى الأنبياء : ، فلا موجب لتوجيه ما نسب من المعاصي إليه بما يخرج به


ميزان الحکمه المجلد الثامن
508

لا يقطع إلّا في نحو ثلاثة أيّام - وكانوا قد عظم شرّهم وكثر فسادهم - فاستعظم الأمر وهرب إلى‏ ترسيس ، فجاء يافا فوجد سفينة يريد أهلها الذهاب بها إلى‏ ترسيس ، فاستأجر وأعطَى الاُجرة وركب السفينة ، فهاجت ريح عظيمة وكثرت الأمواج وأشرفت السفينة علَى الغرق .
ففزع الملّاحون ورمَوا في البحر بعض الأمتعة لتخفّ السفينة ، وعند ذلك نزل يونس إلى‏ بطن السفينة ونام حتّى‏ علا نَفَسه ، فتقدّم إليه الرئيس فقال له : ما بالك نائماً ؟! قم وادع إلهك لعلّه يخلّصنا ممّا نحن فيه ولا يهلكنا .
وقال بعضهم لبعض : تعالوا نتقارع لنعرف من أصابنا هذا الشرّ بسببه ، فتقارعوا فوقعت القرعة على‏ يونس فقالوا له : أخبِرْنا ماذا عملت ؟ ومن أين جئت ؟ وإلى‏ أين تمضي ؟ ومن أيّ كورة أنت ؟ ومن أيّ شعب أنت ؟ فقال لهم : أنا عبد الربّ إله السماء خالق البرّ والبحر ، وأخبرهم خبره ، فخافوا خوفاً عظيماً وقالوا له : لِمَ صنعت ما صنعت ؟! يلومونه على‏ ذلك .
ثمّ قالوا له : ما نصنع الآن بك ، ليسكن البحر عنّا ؟ فقال : ألقُوني في البحر يسكن ؛ فإنّه من أجلي صار هذا الموج العظيم . فجهد الرجال أن يردّوه إلَى البرّ فلم يستطيعوا ، فأخذوا يونس وألقوه في البحر لنجاة جميع من في السفينة ، فسكن البحر . وأمر اللَّه حوتاً عظيماً فابتلعه ، فبقي في بطنه ثلاثة أيّام وثلاث ليال ، وصلّى‏ في بطنه إلى‏ ربّه واستغاث به ، فأمر سبحانه الحوت فألقاه إلَى اليَبس ، ثمّ قال له : قم وامض إلى‏ نينوى ونادِ في أهلها كما أمرتك من قبل .
فمضى‏ عليه السلام ونادى‏ وقال : يخسف نينوى‏ بعد ثلاثة أيّام ، فآمنت رجال نينوى‏ باللَّه ونادَوا بالصّيام ، ولبسوا المسوح جميعاً . ووصل الخبر إلَى الملك ، فقام عن كرسيّه ، ونزع حلّته ، ولبس مسحاً ، وجلس علَى الرماد ، ونودي أن لا يذق أحد من الناس

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 155009
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي