531
ميزان الحکمه المجلد الثامن

ويرَى اللَّه في ضوء نور المعرفة ، ومن خلال ملاحظة آثار الوجود ، يمكنه بيسر أن يعرف رسل اللَّه الواقعيّين على‏ أساس نفس البصيرة العلميّة وفي ضوء عين المعرفة ، ومن خلال ملاحظة آثار النبوّة.
غير أنّ الرؤية تبلغ في بعض الأحيان درجة من القوّة ، بحيث يشاهد الإنسان نور النبوّة في شخص الرسول بواسطة الرؤية القلبيّة ، كما حصل ذلك بالنسبة للإمام عليّ عليه السلام في رسول الإسلام صلى اللَّه عليه وآله حيث يقول عليه السلام : «أرى‏ نورَ الوَحي والرِّسالَةِ ، وأشمُّ رِيحَ النُّبوَّةِ» ، ومثل هذه المعرفة تدعى‏ : المعرفة القلبيّة والكشف والشهود الباطنيّ .
ولا ترقَى الرؤية في أحيان اُخرى‏ إلى‏ تلك المرتبة ، بل يلاحظ الإنسان بواسطة الرؤية العقليّة آثار النبوّة ودلائلها في شخص الرسول ، وتدعى‏ مثل هذه المعرفة : المعرفة العقليّة .
وكلا لونَي المعرفة - من زاويةٍ قرآنيّة - معرفة علميّة ، تنتسب إلَى البصيرة العلميّة .

المعرفة القلبيّة للنبوّة من وجهة نظر الغزاليّ :

يرى الغزاليّ في كتابه «المنقذ من الضلال» : أنّ أفضل طرق معرفة أنبياء اللَّه وأكثرها قطعيّة هو المعرفة القلبيّة والكشف والشهود الباطنيّ . وهو كذلك ؛ فالشخص الذي يرى‏ من خلال بصيرته القلبيّة ، ويلاحظ نبوّة محمّد صلى اللَّه عليه وآله بطريقة عُلويّة ، فهو مضافاً إلَى استغنائه عن أيّ دليل لإثبات نبوّة محمد صلى اللَّه عليه وآله يبلغ أرقى‏ درجات المعرفة والبصيرة .

(انظر) التقوى‏ : باب 4111 .

3761 - شَهادَةُ شاهِدٍ مِنهُ‏

الكتاب :

(أَفَمَنْ كَانَ عَلَى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى‏ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ


ميزان الحکمه المجلد الثامن
530

الإنسان ، سواء في ذلك علم التوحيد وغيره من العلوم ، بل العلم بلا بصيرة علميّة ليس بعلم ؛ حيث يفقد مزيّة العلم التي هي رشد الإنسان وتكامله .
5 . العلم بعامّته حينما تصحبه البصيرة العلميّة هو «علم التوحيد» ؛ ولذا يرَى القرآن الكريم أنّ العلم عامّة يستتبع الخوف والخشية من اللَّه : (إنّما يَخْشَى اللَّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ) .۱
يستنتج مفهومان من الآية أعلاه :
أ - أنّ المعنيّ بالعلم هو البصيرة العلميّة بالمعنَى الذي أوضحناه ؛ إذ أنّ كل علم من العلوم - حتّى‏ علم التوحيد - ما لم يكن متوفّراً على‏ روح وجوهر العلم لا يبعث علَى الخشية .
ب - أنّ العلاقة بين العلم والإيمان تلاحميّة لا تقبل الانفصال ؛ بمعنى‏ أنّه لا يمكن أن يبصر الإنسان العالَم كما هو ، ولا يرى‏ يد اللَّه وصنعته .
من هنا يضع القرآن الكريم العلماء في صفّ الملائكة بوصفهم شهوداً على‏ وحدانيّة مبدع العالَم : (شَهِدَ اللَّهُ أنّهُ لا إلهَ إلّا هُوَ والمَلائكةُ واُولو العِلْمِ) .۲
6 . العلم - بالمفهوم المتقدّم - ليس توأم الإيمان بالتوحيد فحسب ، بل يصاحب الإيمان بالنبوّة أيضاً ؛ إذ كما يستحيل أن يرَى الإنسان العالَم ولا ينتهي إلَى الإيمان باللَّه ، كذلك لا يمكن أن يرى‏ إنسان العالَم وصانعه ويعرف موقعه من الكون ثمّ لا يؤمن برسالة اللَّه التي تهدي إلى‏ حكمة الإبداع ، (وما قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذ قالُوا ما أنْزَلَ اللَّهُ على‏ بَشَرٍ مِنْ شَي‏ءٍ) .۳ وقد أثبتنا في بحث «النبوّة العامّة» أنّ نفي النبوّة يعادل نفي التّوحيد .
7 . العلم - بالمفهوم المتقدّم - ليس توأم الإيمان بالتوحيد والنبوّة العامّة فحسب ، بل يصاحب الإيمان بالنبوّة الخاصّة أيضاً ؛ يعني أنّ الإنسان حينما يتوفّر علَى البصيرة العلميّة ،

1.فاطر : ۲۸ .

2.آل عمران : ۱۸ .

3.الأنعام : ۹۱ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 154797
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي