591
ميزان الحکمه المجلد الثامن

أسفاره إلَى الشام إلّا مع عمّه أبي طالب قبل بلوغه ، وإلّا مع ميسرة مولى‏ خديجة وسنّه يومئذٍ خمسة وعشرون ، وهو مع من يلازمه في ليله ونهاره . ولو فرض محالاً ذلك فما هذه المعارف والعلوم ؟ ومن أين هذه الحكم والحقائق ؟ وممّن هذه البلاغة في البيان الذي خضعت له الرقاب وكلّت دونه الألسن الفصاح ؟
وما أخذوه عليه أ نّه كان يقف على‏ قين بمكّة من أهل الروم كان يعمل السيوف ويبيعها ، فأنزل اللَّه سبحانه : (ولَقَدْ نَعْلَمُ أ نَّهُمْ يَقولونَ إنّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الّذِي يُلْحِدونَ إلَيهِ أعْجَميٌّ وهذا لِسانٌ عَرَبيٌّ مُبينٌ) .۱
وما قالوا عليه أ نّه يتعلّم بعض ما يتعلّم من سلمان الفارسيّ وهو من علماء الفرس عالم بالمذاهب والأديان ، مع أنّ سلمان إنّما آمن به في المدينة ، وقد نزل أكثر القرآن بمكّة وفيها من جميع المعارف الكلّيّة والقصص ما نزلت منها بمدينة بل أزيد ، فما الذي زاده إيمان سلمان وصحابته ؟
على‏ أنّ من قرأ العهدَين وتأمّل ما فيهما ثمّ رجع إلى‏ ما قصّه القرآن من تواريخ الأنبياء السالفين واُممهم رأى‏ أنّ التاريخ غير التاريخ والقصّة غير القصّة ، ففيهما عثرات وخطايا لأنبياء اللَّه الصالحين تنبو الفطرة وتتنفّر من أن تنسبها إلَى المتعارف من صلحاء الناس وعقلائهم ، والقرآن يبرّئهم منها ، وفيها اُمور اُخرى‏ لا يتعلّق بها معرفة حقيقيّة ولا فضيلة خلقيّة ، ولم يذكر القرآن منها إلّا ما ينفع الناس في معارفهم وأخلاقهم وتركَ الباقي وهو الأكثر» .۲

۲۰۰۶۴.الإمامُ الباقرُ عليه السلام : أقبَلَ أبو جَهلٍ بنُ هِشامٍ وَمعَهُ قَومٌ مِن قُريشٍ فدَخَلوا على‏ أبي طالِبٍ فقالوا : إنّ ابنَ أخيكَ قد آذانا وآذى‏ آلِهَتَنا ، فادْعُهُ ومُرْهُ فلْيَكُفَّ عن آلِهَتِنا ونَكُفَّ عن إلهِهِ . قالَ : فبَعَثَ أبو

1.النحل : ۱۰۳ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ۱ / ۶۳ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
590

ثمّ حملوا قوله : (وهذا لِسانٌ عَرَبيٌّ مُبينٌ) علَى التحدّي بإعجاز القرآن في بلاغته . وأنت تعلم أن لا خبر في لفظ الآية عن أنّ القرآن معجز في بلاغته ولا أثر عن التحدّي ، ونهاية ما فيه أ نّه عربيّ مبين لا وجه لأن يفصح عنه ويلفظه أعجميّ .
ثمّ حملوا الآيتين التاليتين على‏ تهديد اُولئك الكفرة بآيات اللَّه الرامين لرسوله صلى اللَّه عليه وآله بالافتراء ، ووعيدهم بالعذاب الأليم، وقلب الافتراء والكذب إليهم بأ نّهم أولى‏ بالافتراء والكذب بما أ نّهم لايؤمنون بآيات اللَّه فإنّ اللَّه لم يهدهم .
ثمّ تكلّموا بالبناء عليه في مفردات الآيتين بما يزيد في الابتعاد عن حقّ المعنى‏ .
وقد عرفت أنّ ذلك يؤدّي إلى‏ عدم كفاية الجواب في حسم الإشكال من أصله» .۱
وقال في مبحث إعجاز القرآن في تحدّيه بمن اُنزل عليه ما نصّه : «وقد تحدّى‏ بالنبيّ الاُمّي الذي جاء بالقرآن المعجز في لفظه ومعناه ، ولم يتعلّم عند معلّم ولم يتربّ عند مربٍّ ، بقوله تعالى‏ : (قُلْ لَو شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ علَيْكُم ولا أدْراكُم بهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُم عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أفلا تَعْقِلونَ)۲ ، فقد كان صلى اللَّه عليه وآله بينهم وهو أحدهم لا يتسامى‏ في فضل ولا ينطق بعلم حتّى‏ لم يأت بشي‏ء من شعر أو نثر نحواً من أربعين سنة وهو ثلثا عمره لا يحوز تقدّماً ولا يرد عظيمة من عظائم المعالي ثمّ أتى بما أتى‏ به دفعة ، فأتى‏ بما عجزت عنه فُحولهم وكلّت دونه ألسنة بلغائهم ، ثمّ بثّه في أقطار الأرض فلم يجترئ على‏ معارضته مُعارِض من عالم أو فاضل أو ذي لبّ وفطانة .
وغاية ما أخذوه عليه : أ نّه سافر إلَى الشام للتجارة فتعلّم هذه القصص ممّن هناك من الرهبان . ولم يكن

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۲ / ۳۴۷ .

2.يونس : ۱۶ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182851
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي