595
ميزان الحکمه المجلد الثامن

من الواجب أن يلفت نظر هذا المعترض المستشكل إلى‏ أنّ قصّة تعدّد زوجات النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ليست على‏ هذه السذاجة (أ نّه صلى اللَّه عليه وآله بالغ في حبّ النساء حتّى‏ أنهى‏ عدّة أزواجه إلى‏ تسع نسوة ) بل كان اختياره لمن اختارها منهنّ على‏ نهج خاصّ في مدى‏ حياته ؛ فهو صلى اللَّه عليه وآله كان تزوّج - أوّل ما تزوّج - بخديجة رضي اللَّه عنها ، وعاش معها مقتصراً عليها نيّفاً وعشرين سنة وهي ثلثا عمره الشريف بعد الازدواج ، منها ثلاث عشرة سنة بعد نبوّته قبل الهجرة من مكّة . ثمّ هاجر إلَى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين ، وتزوّج بعدها من النساء منهنّ البكر ومنهنّ الثيّب ، ومنهنّ الشابّة ومنهنّ العجوز والمكتهلة ، وكان على‏ ذلك ما يقرب من عشرة سنين ، ثمّ حرّم عليه النساء بعد ذلك إلّا من هي في حبالة نكاحه . ومن المعلوم أنّ هذا الفعال على‏ هذه الخصوصيّات لا يقبل التوجيه بمجرّد حبّ النساء والولوع بهنّ والوله بالقرب منهنّ ؛ فأوّل هذه السيرة وآخرها يناقضان ذلك .
على‏ أ نّا لا نشكّ - بحسب ما نشاهده من العادة الجارية - أنّ المتولّع بالنساء المغرم بحبّهنّ والخلاء بهنّ والصبوة إليهنّ مجذوب إلَى الزينة ، عشيق للجمال ، مفتون بالغنج والدلال ، حنين إلَى الشباب ونضارة السنّ وطراوة الخلقة ، وهذه الخواصّ أيضاً لا تنطبق على سيرته صلى اللَّه عليه وآله ؛ فإنّه بنى‏ بالثيّب بعد البكر وبالعجوز بعد الفتاة الشابّة ، فقد بنى‏ باُمّ سَلَمة وهي مُسنّة ، وبنى‏ بزينب بنت جحش وسنّها يومئذٍ يربو على‏ خمسين بعد ما تزوّج بمثل عائشة واُمّ حبيبة ... وهكذا .
وقد خَيّر صلى اللَّه عليه وآله نساءه بين التمتيع والسَّراح الجميل - وهو الطلاق - إن كنّ يُرِدن الدنيا وزينتها ، وبين الزهد في الدنيا وترك التزيين والتجمّل إن كنّ يُرِدن اللَّه ورسوله والدار الآخرة ،


ميزان الحکمه المجلد الثامن
594

أعلاهُ لَمُثمِرٌ ، وإنّ أسفَلَهُ لَمُغدِقٌ ، وما هذا بقَولِ بَشَرٍ .۱

۲۰۰۶۷.بحار الأنوار عن ابنِ عبّاسٍ : إنّ الوليدَ بنَ المُغيرَةِ أتى‏ قُرَيشاً فقالَ : إنّ النّاسِ يَجتَمِعونَ غَداً بالمَوسِمِ وقد فَشا أمرُ هذا الرّجُلِ في النّاسِ وهُم يَسألونَكُم عَنهُ ، فما تَقولونَ ؟ فقالَ أبوجَهلٍ : أقولُ : إنّهُ مَجنونٌ ، وقالَ أبولَهَبٍ : أقولُ : إنّهُ شاعِرٌ ، وقالَ عُقبَةُ بنُ أبي مُعيَطٍ : أقولُ : إنّهُ كاهِنٌ ، فقالَ الوليدُ : بَل أقولُ : هُو ساحِرٌ ، يُفَرِّقُ بَينَ الرّجُلِ والمَرأةِ وبَينَ الرّجُلِ وأخيهِ وأبيهِ ! فأنزَلَ اللَّهُ تعالى‏ : (ن والقَلَمِ ...)۲ الآية ، وقولَهُ : (وَما هُو بقَولِ شاعِرٍ...)۳الآية .۴

۲۰۰۶۸.المناقب لابن شهر آشوب : لَمّا قالَت قريشٌ : إنّهُ ساحِرٌ عَلِمنا أ نّهُ قد أراهُم ما لَم يَقدِروا على‏ مِثلِهِ ، وقالوا : هذا مَجنونٌ ؛ لِما هَجمَ مِنهُ على‏ شي‏ءٍ لَم يُفكِّرْ في عاقِبَتِهِ مِنهُم ، وقالوا : هُو كاهِنٌ ؛ لأ نّهُ أنبَأ بالغائباتِ ، وقالوا : مُعَلَّمٌ ؛ لأ نّهُ قَد أنبأهُم بِما يَكتُمونَهُ مِن أسرارِهِم ، فثَبَتَ صِدقُهُ مِن حَيثُ قَصَدوا تَكذيبَهُ .۵

بحث في تعداد أزواج النَّبيّ صلى اللَّه عليه وآله :

قال العلّامة الطباطبائيّ في الميزان :
وممّا اعترضوا عليه تعدّد زوجات النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، قالوا : إنّ تعدّد الزوجات لا يخلو في نفسه عن الشره والانقياد لداعي الشهوة ، وهو صلى اللَّه عليه وآله لم يقنع بما شرعه لاُمّته من الأربع حتّى‏ تعدّى‏ إلَى التِّسع من النسوة .
والمسألة ترتبط بآيات متفرّقة كثيرة في القرآن ، والبحث من كلّ جهة من جهاتها يجب أن يستوفى عند الكلام علَى الآية المربوطة بها ؛ ولذلك أخّرنا تفصيل القول إلى‏ محالّه المناسبة له ، وإنّما نشير ههنا إلى‏ ذلك إشارة إجماليّة ، فنقول :

1.قصص الأنبياء : ۳۱۹ / ۳۹۷ و ح‏۳۹۸.

2.القلم : ۱ .

3.الحاقّة : ۴۱ .

4.بحار الأنوار : ۱۸ / ۱۹۸ / ۳۱ .

5.المناقب لابن شهر آشوب : ۱ / ۱۲۳ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182794
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي