61
ميزان الحکمه المجلد الثامن

التقدير ، والهداية الخاصّة لاتلائم التقدير الذي هو تهيئة الأسباب والعلل لسوق الشي‏ء إلى‏ غاية خلقته ، وإن كانت تلك الهداية أيضاً من جهة النظام العامّ في العالَم داخلةً في حيطةِ التقدير، لكنّ النظر غير النظر ، فافهم ذلك .
وكيف كان، فهذه الهداية العامّة هي هدايته تعالى‏ كلَّ شي‏ءٍ إلى‏ كمال وجوده ، وإيصاله إلى‏ غاية خلقته ، وهي التي بها نزوع كلّ شي‏ءٍ إلى‏ ما يقتضيه قوام ذاته من نشوءٍ واستكمالٍ وأفعالٍ وحركاتٍ وغير ذلك ؛ وللكلام ذيل طويلٌ سنشرحه إن ساعدَنا التوفيق إن شاء اللَّه العزيز .
والغرض أنّ كلامه تعالى‏ يدلّ على‏ أنّ الأشياء إنّما تنساق إلى‏ غاياتها وآجالها بهداية عامّة إلهيّة لا يشذّ عنها شاذّ ، وقد جعلها اللَّه تعالى‏ حقّاً لها على‏ نفسه وهو لايُخلف الميعاد ؛ كما قال تعالى‏ : (إنّ عَلَينا لَلْهُدى‏ * وإنّ لَنا للآخِرَةَ والاُولى‏)۱ والآية كما ترى‏ تعمّ بإطلاقها الهدايةَ الاجتماعيّة للمجتمعات والهداية الفرديّة مضافةً إلى‏ ما تدلّ عليه الآيتان السابقتان .
فمن حقّ الأشياء علَى اللَّه تعالى‏ هدايتها تكويناً إلى‏ كمالها المقدَّر لها، وهدايتها إلى‏ كمالها المشرَّع لها . وقد عرفت فيما مرّ من مباحث النبوّة أنّ التشريع كيف يدخل في التكوين وكيف يحيط به القضاء والقدر ؛ فإنّ النوع الإنسانيّ له نوع وجودٍ لا يتمّ أمره إلّا بسلسلةٍ من الأفعال الاختياريّة الإراديّة التي لا تقع إلّا عن اعتقادات نظريّة وعمليّة ، فلابدّ أن يعيش تحت قوانين حقّة أو باطلة جيّدة أو رديّة ، فلابدّ لسائق التكوين أن يهيّئ له سلسلة من الأوامر والنواهي (الشريعة) وسلسلةً اُخرى‏ من الحوادث الاجتماعيّة والفرديّة حتّى يخرج بتلاقيه معهما مافي قوّته إلَى الفعل فيسعد أو يشقى‏ ويظهر ما في مكمن وجوده ، وعند ذلك ينطبق على‏ هذه الحوادث وهذا التشريع اسم المحنة والبلاء ونحوهما .

1.اللّيل : ۱۲ ، ۱۳ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
60

۱۸۶۶۴.عنه عليه السلام : اِمتَحِنوا شِيعَتَنا عِندَ ثَلاثٍ : عِندَ مَواقيتِ الصَّلاةِ كيفَ مُحافَظَتُهُم علَيها ، وعِندَ أسرارِهِم كيفَ حِفظُهُم لَها عِندَ عَدُوِّنا ، وإلى‏ أموالِهِم كيفَ مُواساتُهُم لإخوانِهِم فيها .۱

۱۸۶۶۵.عنه عليه السلام : ما اُعطِيَ عَبدٌ مِن الدُّنيا إلّا اعتِباراً ، وما زُوِيَ عَنهُ إلّا اختِباراً .۲

كلامٌ للعلّامة الطباطبائي في الامتحانِ وحقيقتِهِ :

لاريب أنّ القرآن الكريم يخصّ أمر الهداية باللَّه سبحانه ، غير أنّ الهداية فيه لاتنحصر في الهداية الاختياريّة إلى‏ سعادة الآخرة أو الدُّنيا؛ فقد قال تعالى‏ فيما قال : (الّذي أعْطى‏ كُلَّ شَي‏ءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى‏)،۳ فعمّم الهداية لكلّ شي‏ءٍ من ذوي الشعور والعقل وغيرهم ، وأطلقها أيضاً من جهة الغاية ؛ وقال أيضاً : (الّذي خَلَقَ فَسَوَّى‏ * والّذي قَدَّرَ فَهَدَى‏)۴ ، والآية من جهة الإطلاق كسابقتها.
ومن هنا يظهر أنّ هذه الهداية غير الهداية الخاصّة التي تقابل الإضلال ، فإنّ اللَّه سبحانه نفاها وأثبت مكانها الضلال في طوائف . والهداية العامّة لاتنفى‏ عن شي‏ءٍ مِن خلقه ، قال تعالى‏ : (واللَّهُ لايَهْدي القَومَ الظّالِمينَ)۵ وقال : (واللَّهُ لايَهْدي القَومَ الفاسِقينَ)۶ إلى‏ غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وكذا يظهر أيضاً أنّ الهداية المذكورة غير الهداية بمعنى‏ إراءة الطّريق العامّة للمؤمن والكافر، كما في قوله تعالى‏ : (إنّا هَدَيْناهُ السَّبيلَ إمّا شَاكِراً وإمّا كَفُوراً)۷، وقوله : (وأمّا ثَمُودُ فهَدَيْناهُمْ فاسْتَحَبُّوا العَمَى‏ عَلَى الهُدَى‏)۸؛ فإنّ ما في هاتين الآيتين ونظائرهما من الهداية لا يعمُّ غير أرباب الشعور والعقل ، وقد عرفت أنّ ما في قوله : (ثُمَّ هَدَى‏)وقولَهُ : (والّذي قَدَّرَ فهَدَى‏) عامّ من حيث المورد والغاية جميعاً . على‏ أنّ الآية الثانية تفرّع الهداية علَى

1.الخصال : ۱۰۳/۶۲ .

2.الكافي : ۲/۲۶۱/۶ .

3.طه : ۵۰ .

4.الأعلى‏ : ۲ ، ۳ .

5.الجمعة : ۵ .

6.الصفّ : ۵ .

7.الإنسان : ۳ .

8.فصّلت : ۱۷ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 179897
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي