67
ميزان الحکمه المجلد الثامن

آمَنُوا ويَمْحَقَ الكافِرينَ) .1
وللكافرين محقٌ آخرٌ من جهة مايخبره تعالى‏ أنّ الكون ينساق إلى‏ صلاح البشر وخلوص الدِّين للَّه ، قال تعالى‏ : (والعاقِبَةُ للتَّقْوى‏)2، وقال: (أنَّ الأرضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحونَ)3.4

1.آل عمران : ۱۴۰ ، ۱۴۱ .

2.طه : ۱۳۲ .

3.الأنبياء : ۱۰۵ .

4.الميزان في تفسير القرآن : ۴/۳۱ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
66

ومن هنا يظهر أنّها غير قابلة للنسخ ؛ فإنّ انتساخها عين فساد التكوين وهو محال . ويشير إلى‏ ذلك ما يدلّ من الآيات على‏ كون الخلقة علَى الحقّ ، وما يدلّ على‏ كون البعث حقّاً ، كقوله تعالى‏ : (ما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرضَ وَما بَيْنَهُما إلّا بالحَقِّ وأجَلٍ مُسَمّىً)1، وقوله تعالى‏ : (أفَحَسِبْتُمْ أنّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وأنَّكُمْ إلَيْنا لاتُرْجَعونَ)2، وقوله تعالى‏ : (ومَا خَلَقْنا السَّماواتِ والأرضَ ومَابَيْنَهُما لاعِبِينَ * مَا خَلَقْناهُما إلّا بالحَقِّ ولكنَّ أكْثَرَهُم لا يَعْلَمونَ)3، وقوله تعالى‏ : (مَنْ كانَ يَرْجُو لِقاءَ اللَّهِ فإنَّ أجَلَ اللَّهِ لَآتٍ)4 إلى‏ غيرها ؛ فإنّ جميعها تدلّ علَى‏ أنّ الخلقة بالحقّ وليست باطلة مقطوعة عن الغاية . وإذا كانت أمام الأشياء غايات وآجال حقّة ومن ورائها مقادير حقّة ومعها هداية حقّة فلامناص عن تصادمها عامّةً ، وابتلاء أرباب التكليف منها خاصّة باُمورٍ يخرج بالاتّصال بها ما في قوّتها من الكمال والنقص والسعادة والشقاء إلَى الفعل ، وهذا المعنى‏ في الإنسان المكلّف بتكليف الدِّين امتحان وابتلاء ، فافهم ذلك .
ويظهر ممّا ذكرناه معنَى المَحق والتمحيص أيضاً ؛ فإنّ الامتحان إذا ورد علَى المؤمن فأوجب امتياز فضائله الكامنة من الرذائل ، أو ورد علَى الجماعة فاقتضَى امتياز المؤمنين من المنافقين والذين في قلوبهم مرضٌ ، صدق عليه اسم التمحيص وهو التمييز .
وكذا إذا توالت الامتحانات الإلهيّة علَى الكافر والمنافق وفي ظاهرهما صفات وأحوال حسنة مغبوطة فأوجبت تدريجاً ظهور مافي باطنهما من الخبائث ، وكلّما ظهرت خبيثةٌ أزالت فضيلةً ظاهريّة كان ذلك محقاً له أي إنفاداً تدريجيّاً لمحاسنها ، قال تعالى‏ : (وتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الّذينَ آمَنوا ويَتَّخِذَ مِنْكُم شُهَدآءَ واللَّهُ لايُحِبُّ الظّالِمينَ * ولِيُمَحِّصَ اللَّهُ الّذينَ

1.الأحقاف : ۳ .

2.المؤمنون : ۱۱۵ .

3.الدخان : ۳۸ ، ۳۹ .

4.العنكبوت : ۵ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 179593
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي