85
ميزان الحکمه المجلد الثامن

ندب إليه ، وللزومه الطريق الذي خطّ له من القيمة ما يتعادل فيه أنواع الخدمات الإنسانيّة وتتوازن أعمالها ، فلا فضل في الإسلام للشهادة في معركة القتال والسماحة بدماء المهج - على‏ ما فيه من الفضل - على‏ لزوم المرأة وظيفتها في الزوجيّة . وكذا لا فخار لوالٍ يدير رحَى المجتمع الحيويّ ، ولا لقاضٍ يتّكي على‏ مسند القضاء ، وهما منصبان ليس للمتقلّد بهما في الدُّنيا - لو عمل فيما عمل بالحقّ وجرى‏ فيما جرى‏ على الحقِّ - إلّا تحمّل أثقال الوِلاية والقضاء ، والتعرّض لمهالك ومخاطر تهدّدهما حيناً بعد حينٍ في حقوق من لا حامي له إلّا ربّ العالمين - وإنّ ربّك لَبالمرصاد - فأيّ فخر لهؤلاء على‏ من منعه الدِّين الورود موردهما ، وخطّ له خطّاً وأشار إليه بلزومه وسلوكه ؟ !
فهذه المفاخر إنّما يحييها ويقيم صُلبها - بإيثار النّاس لها - نوع المجتمع الذي يربّي أجزاءه على‏ ما يندب إليه من غير تناقض . واختلاف الشؤون الاجتماعيّة والأعمال الإنسانيّة بحسب اختلاف المجتمعات في أجوائها ممّا لا يسع أحداً إنكاره .
هو ذا الجنديّ الذي يلقي بنفسه في أخطر المهالك ، وهو الموت في منفجر القنابل المبيدة ابتغاء مايراه كرامةً ومزيداً ، وهو زعمه أن سيُذكر اسمه في فهرس من فدى‏ بنفسه وطنَه ، ويفتخر بذلك على‏ كلّ ذي فخر في عين ما يعتقد بأنّ الموت فوت وبطلان ، وليس إلّا بُغية وهميّة وكرامة خرافيّة . وكذلك ماتؤثره هذه الكواكب الظاهرة في سماء السينماءات ويعظّم قدرهنّ بذلك النّاس تعظيماً لايكاد يناله رؤساء الحكومات السامية . وقد كان ما يعتورنه من الشغل وما يعطين من أنفسهنّ للملأ دهراً طويلاً في المجتمعات الإنسانيّة أعظم ما يسقط به قدر النساء ، وأشنع ما يعيّرن به ، فليس ذلك كلّه إلّا أنّ الظرف من ظروف الحياة يعيّن ما يعيّنه على‏ أن


ميزان الحکمه المجلد الثامن
84

حياة المرأة في الإسلام أن تشتغل بتدبير اُمور المنزل الداخليّة وتربية الأولاد . وهذه وإن كانت سُنّة مسنونة غير مفروضة لكنّ الترغيب والتحريض النَّدبيّ - والظرف ظرف الدِّين ، والجوّ جوّ التقوى‏ - وابتغاء مرضاة اللَّه ، وإيثار مثوبة الآخرة على‏ عَرَض الدُّنيا ، والتربية علَى الأخلاق الصالحة للنساء كالعفّة والحياء ومحبّة الأولاد ، والتعلّق بالحياة المنزليّة ، كانت تَحفظ هذه السنّة .
وكان الاشتغال بهذه الشؤون والاعتكاف على‏ إحياء العواطف الطاهرة المُودَعة في وجودهنّ يشغلهنّ عن الورود في مجامع الرجال، واختلاطهنّ بهم في حدود ما أباح اللَّه لهنّ . ويشهد بذلك بقاء هذه السنّة بين المسلمين على‏ ساقها قروناً كثيرةً بعد ذلك حتّى‏ نفذ فيهنّ الاسترسال الغربيّ المسمّى‏ بحرّيّة النساء في المجتمع ، فجرّتْ إليهنّ وإليهم هلاك الأخلاق وفساد الحياة وهم لايشعرون ، وسوف يعلمون ، ولو أنّ أهل القرى‏ آمنوا واتّقوا لفتح اللَّه عليهم بركاتٍ من السماء ، وأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولكنْ كذّبوا فاُخِذوا .
وثانياً : أنّ من السنّة المفروضة في الإسلام منع النّساء من القيام بأمر الجهاد كالقضاء والوِلاية .
وثالثاً : أنّ الإسلام لم يهمل أمر هذه الحرمانات كحرمان المرأة من فضيلة الجهاد في سبيل اللَّه، دون أن تداركها وجبر كسرها بما يعادلها عنده بمزايا وفضائل فيها مفاخر حقيقيّة ، كما أنّه جعل حسن التبعّل مثلاً جهاداً للمرأة . وهذه الصنائع والمكارم أوشك أن لا يكون لها عِندنا - وظرفنا هذا الظرف الحيويّ الفاسد - قدرٌ ، لكنّ الظرف الإسلاميّ الذي يقوّم الاُمور بقيمها الحقيقيّة، ويتنافس فيه في الفضائل الإنسانيّة المَرْضيّة عنداللَّه سبحانه - وهو يقدّرها حقّ قدرها - يقدّر لسلوك كلّ إنسان مسلكه الذي

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182714
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي