281
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام

۱۲۱.الفتوح : سارَ [عَلِيٌّ عليه السلام‏] حَتّى‏ نَزَلَ بِدَيرِ كَعبٍ ، فَأَقامَ هُنالِكَ باقِيَ يَومِهِ ولَيلَتِهِ . وأصبَحَ سائِراً حَتّى‏ نَزَلَ بِكَربَلاءَ ، ثُمَّ نَظَرَ إلى‏ شاطِئِ الفُراتِ ، وأبصَرَ هُنالِكَ نَخيلاً ، فَقالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، أتَعرِفُ هذَا المَوضِعَ ؟ فَقالَ : لا يا أميرَ المُؤمِنينَ ما أعرِفُهُ .
فَقالَ : أما إنَّكَ لَو عَرَفتَهُ كَمَعرِفَتي لَم تَكُن تُجاوِزُهُ حَتّى‏ تَبكِيَ لِبُكائي . قالَ : ثُمَّ بَكى‏ عَلِيٌّ عليه السلام بُكاءً شَديداً ، حَتَّى اخضَلَّت لِحيَتُهُ بِدُموعِهِ ، وسالَتِ الدُّموعُ عَلى‏ صَدرِهِ ، ثُمَّ جَعَلَ يَقولُ : أوّاه ! ما لي ولِآلِ أبي سُفيانَ ! ثُمَّ التَفَتَ إلَى الحُسَينِ عليه السلام فَقالَ : اِصبِر أبا عَبدِ اللَّهِ ؛ فَلَقَد لَقِيَ أبوكَ مِنهُم مِثلَ الَّذي تَلقى‏ مِن بَعدي .
قالَ : ثُمَّ جَعَلَ عَلِيٌّ عليه السلام يَجولُ في أرضِ كَربَلاءَ كَأَنَّهُ يَطلُبُ شَيئاً ، ثُمَّ نَزَلَ ودَعا بِماءٍ ، فَتَوَضَّأَ وُضوءَ الصَّلاةِ ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى‏ ما شاءَ أن يُصَلِّيَ ، وَالنّاسُ قَد نَزَلوا هُنالِكَ مِن قُربِ نينَوى‏ إلى‏ شاطِئِ الفُراتِ .
قالَ : ثُمَّ خَفَقَ بِرَأسِهِ خَفقَةً ، فَنامَ ، وَانتَبَهَ فَزِعاً ، فَقالَ :
يَابنَ عَبّاسِ ! ألا اُحَدِّثُكَ بِما رَأَيتُ السّاعَةَ في مَنامي ؟
فَقالَ : بَلى‏ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ : رَأَيتُ رِجالاً بيضَ الوُجوهِ ، في أيديهِم أعلامٌ بيضٌ ، وهُم مُتَقَلِّدونَ بِسُيوفٍ لَهُم ، فَخَطّوا حَولَ هذِهِ الأَرضِ خَطَّةً ، ثُمَّ رَأَيتُ هذِهِ النَّخيلَ وقَد ضَرَبَت بِسَعفِهَا الأَرضَ ، ورَأَيتُ نَهراً يَجري بِالدَّمِ العَبيطِ ، ورَأَيتُ ابنِيَ الحُسَينَ وقَد غَرِقَ في ذلِكَ الدَّمِ ، وهُوَ يَستَغيثُ فَلا يُغاثُ ، ثُمَّ إنّي رَأَيتُ اُولئِكَ الرِّجالَ البيضَ الوُجوهِ الَّذينَ نَزَلوا مِنَ السَّماءِ ، وهُم يُنادونَ : صَبراً آلَ الرَّسولِ صَبراً ؛ فَإِنَّكُم تُقتَلونَ عَلى‏ أيدي أشرارِ النّاسِ ، وهذِهِ الجَنَّةُ مُشتاقَةٌ إلَيكَ يا أبا عَبدِ اللَّهِ ، ثُمَّ تَقَدَّموا إلَيَّ ، فَعَزَّوني وقالوا : أبشِر يا أبَا الحَسَنِ فَقَد أقَرَّ اللَّهُ عَينَكَ بِابنِكَ الحُسَينِ غَداً يَومَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ .
ثُمَّ إنِّي انتَبَهتُ ؛ فَهذا ما رَأَيتُ ، فَوَالَّذي نَفسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ ، لَقَد حَدَّثَنِي الصّادِقُ المَصدوقُ أبُو القاسِمِ صلى اللَّه عليه وآله ، أنّي سَأَرى‏ هذِهِ الرُّؤيا بِعَينِها في خُروجي إلى‏ قِتالِ أهلِ البَغيِ عَلَينا ، وهذِهِ أرضُ كَربَلاءَ الَّذي يُدفَنُ فيهَا ابنِيَ الحُسَينُ ، وشيعَتُهُ ، وجَماعَةٌ مِن وُلدِ فاطِمَةَ بِنتِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وأنَّ هذِهِ البُقعَةَ المَعروفَةَ في أهلِ السَّماواتِ تُذكَرُ بِأَرضِ كربٍ وبَلاءٍ ، ولَيُحشَرَنَّ مِنها قَومٌ يَدخُلونَ الجَنَّةَ بِلا حِسابٍ .
ثُمَّ قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، اطلُب لي حَولَها صِيرانَ الظِّباءِ ، فَطَلَبَهَا ابنُ عَبّاسٍ فَوَجَدَها ، ثُمَّ قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد أصَبتُها ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : اللَّهُ أكبَرُ ! صَدَقَ اللَّهُ ورَسولُهُ .
ثُمَّ قامَ عَلِيٌّ عليه السلام يُهَروِلُ نَحوَها حَتّى‏ وَقَفَ عَلَيها ، ثُمَّ أخَذَ قَبضَةً مِن بَعرِ الظِّباءِ ، فَشَمَّها ، فَإِذا لَها لَونٌ كَلَونِ الزَّعفَرانِ ، ورائِحَةٌ كَرائِحَةِ المِسكِ ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : نَعَم هِيَ هذِهِ بِعَينِها ، ثُمَّ قالَ : أتَعلَمُ ما هذِهِ يَابنَ عَبّاسٍ ؟ قالَ : لا يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ : إنَّ المَسيحَ عيسَى بنَ مَريَمَ عليه السلام قَد مَرَّ بِهذِهِ الأَرضِ ومَعَهُ الحَوارِيّونَ ، فَشَمَّ هذَا البَعرَ كَما شَمَمتُهُ ، وأقبَلَت إلَيهِ الظِّباءُ حَتّى‏ وَقَفَت بَينَ يَدَيهِ ، فَبَكى‏ عيسى‏ ، وبَكى‏ مَعَهُ الحَوارِيّونَ ، وهُم لا يَدرونَ لِماذا يَبكي عيسى‏ عليه السلام ، فَقالوا : يا روحَ اللَّهِ ، ما يُبكيكَ ؟ ولِماذَا اختُلِستَ هاهُنا ؟
فَقالَ لَهُم : أتَعلَمونَ ما هذِهِ الأَرضُ ؟ قالوا : لا يا روحَ اللَّهِ ، فَقالَ : هذِهِ أرضٌ يُقتَلُ عَلَيها فَرخُ الرَّسولِ أحمَدَ المُصطَفى‏ ، وفَرخُ ابنَتِهِ الزَّهراءِ قَرينَةِ الطّاهِرَةِ البَتولِ مَريَمَ بِنتِ عِمرانَ ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عيسى‏ إلى‏ بَعرِ الظِّباءِ ، فَشَمَّهُ ، وقالَ :
يا مَعشَرَ الحَوارِيّينَ ، هذا بَعرُ الظِّباءِ عَلى‏ هذَا الطّيبِ ؛ لِأَنَّهُ كانَ مِن حَشيشِ هذِهِ الأَرضِ . ثُمَّ مَضى‏ عيسىَ بنُ مَريَمَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ ، وقَد بَقِيَت هذِهِ البَعَراتُ إلى‏ يَومِنا هذا مِن ذلِكَ الدَّهرِ ، حَتّى‏ أنَّها قَدِ اصفَرَّت لِطولِ الزَّمانِ عَلَيها ، فهذِهِ أرضُ الكَربِ وَالبَلاءِ .
قالَ : ثُمَّ بَكى‏ عَلِيٌّ عليه السلام وقالَ : يا رَبِّ عيسى‏ ، لا تُبارِك في قاتِلِ وَلَدي وَالعَنهُ لَعناً كَثيراً ، ثُمَّ اشتَدَّ بُكاءُ عَلِيٍّ ، وبَكَى النّاسُ مَعَهُ حَتّى‏ سَقَطَ عَلى‏ وَجهِهِ ، وغُشِيَ عَلَيهِ ؛ ثُمَّ أفاقَ ، فَوَثَبَ ، فَصَلّى‏ ثَمانِيَ رَكَعاتٍ ، وسَلَّمَ مِن كُلِّ رَكعَتَينِ ، فَكُلَّما سَلَّمَ جَعَلَ يَتَناوَلُ مِن ذلِكَ البَعرِ فَيَشُمُّهُ ، ويَقولُ : صَبراً أبا عَبدِ اللَّهِ ، صَبراً يا ثَمَرَةَ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ورَيحانَةَ حَبيبِ اللَّهِ ، ثُمَّ أخَذَ كَفّاً مِن ذلِكَ البَعرِ ، فَصَرَّهُ في ثَوبِهِ ، وقالَ : لا يَزالُ هذا مَصروراً أبَداً أو يَأتِيَ عَلَيَّ أجَلي .
ثُمَّ قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ! إذا رَأَيتَها مِن بَعدي وهِيَ تَسيلُ دَماً عَبيطاً ، فَاعلَم أنَّ أبا عَبدِ اللَّهِ قَد قُتِلَ .
قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَوَ اللَّهِ ، لَقَد كُنتُ أشَدَّ تَحافُظاً لَها بَعدَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وأنَا لا أحُلُّها عَن طَرَفي . ۱

1.الفتوح : ج ۲ ص ۵۵۱ .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
280
  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
عدد المشاهدين : 309105
الصفحه من 850
طباعه  ارسل الي