۱۷۱.تاريخ دمشق عن زُريق مولى معاوية : لَمّا هَلَكَ مُعاوِيَةُ بَعَثَني يَزيدُ بنُ مُعاوِيَةَ إلَى الوَليدِ بنِ عُتبَةَ ، وهُوَ أميرُ المَدينَةِ ، وكَتَبَ إلَيهِ بِمَوتِ مُعاوِيَةَ ، وأن يَبعَثَ إلى هؤُلاءِ الرَّهطِ ، وأن يَأمُرَهُم بِالبَيعَةِ . قالَ : فَقَدِمتُ المَدينَةَ لَيلاً فَقُلتُ لِلحاجِبِ : اِستَأذِن لي ، فَقالَ : قَد دَخَلَ ولا سَبيلَ لي إلَيهِ ، فَقُلتُ : إنّي جِئتُ بِأَمرٍ ، فَدَخَلَ فَأَخبَرَهُ ، فَأَذِنَ لَهُ وهُوَ عَلى سَريرِهِ .
فَلَمّا قَرَأَ كِتابَ يَزيدَ بِوَفاةِ مُعاوِيَةَ وَاستِخلافِهِ جَزِعَ مِن مَوتِ مُعاوِيَةَ جَزَعاً شَديداً ، فَجَعَلَ يَقومُ عَلى راحِلَتِهِ ، ثُمَّ يَرمي بِنَفسِهِ عَلى فِراشِهِ .
ثُمَّ بَعَثَ إلى مَروانَ ، فَجاءَ وعَلَيهِ قَميصٌ أبيَضُ ومُلاءَةٌ ۱ مُوَرَّدَةٌ ، فَنَعى لَهُ مُعاوِيَةَ ، وأخبَرَهُ أنَّ يَزيدَ كَتَبَ إلَيهِ أن يَبعَثَ إلى هؤُلاءِ الرَّهطِ فَيَدعُوَهُم إلَى البَيعَةِ لِيَزيدَ ، قالَ : فَتَرَحَّمَ مَروانُ عَلى مُعاوِيَةَ ، ودَعا لَهُ بِخَيرٍ ، وقالَ : اِبعَث إلى هؤُلاءِ الرَّهطِ السّاعَةَ ، فَادعُهُم إلَى البَيعَةِ ، فَإِن بايَعوا وإلّا فَاضرِب أعناقَهُم .
قالَ : سُبحانَ اللَّهِ ! أقتُلُ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ وَابنَ الزُّبَيرِ ؟ ! قالَ : هُوَ ما أقولُ لَكَ . ۲
۱۷۲.الفتوح : لَمّا وَرَدَ كِتابُ يَزيدَ عَلَى الوَليدِ بنِ عُتبَةَ وَقَرَأَهُ قالَ : (إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّآ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ)۳ ! يا وَيحَ الوَليدِ بنِ عُتبَةَ! مَن أدخَلَهُ في هذِهِ الإِمارَةِ ، ما لي ولِلحُسَينِ ابنِ فاطِمَةَ ؟ !
قالَ : ثُمَّ بَعَثَ إلى مَروانَ بنِ الحَكَمِ فَأَراهُ الكِتابَ فَقَرَأَهُ وَاستَرجَعَ ، ثُمَّ قالَ : يَرحَمُ اللَّهُ أميرَ المُؤمِنينَ مُعاوِيَةَ ، فَقالَ الوَليدُ : أشِر عَلَيَّ بِرَأيِكَ في هؤُلاءِ القَومِ كَيف تَرى أن أصنَعَ ؟
فَقالَ مَروانُ : اِبعَث إلَيهِم في هذِهِ السّاعَةِ فَتَدعوهُم إلَى البَيعَةِ وَالدُّخولِ في طاعَةِ يَزيدَ ، فَإِن فَعَلوا قَبِلتَ ذلِكَ مِنهُم ، وإن أبَوا قَدِّمهُم وَاضرِب أعناقَهُم قَبلَ أن يَدروا بِمَوتِ مُعاوِيَةَ ؛ فَإِنَّهُم إن عَلِموا ذلِكَ وَثَبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم فَأَظهَرَ الخِلافَ ودَعا إلى نَفسِهِ ، فَعِندَ ذلِكَ أخافُ أن يَأتِيَكَ مِن قِبَلِهِم ما لا قِبَلَ لَكَ بِهِ وما لا يَقومُ لَهُ إلّا عَبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ ؛ فَإِنّي لا أراهُ يُنازِعُ في هذَا الأَمرِ أحَداً إلّا أن تَأتِيَهُ الخِلافَةُ فَيَأخُذَها عَفواً ، فَذَر عَنكَ ابنَ عُمَرَ ، وَابعَث إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بَكرٍ وعَبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيرِ ، فَادعُهُم إلَى البَيعَةِ ، مَعَ أنّي أعلَمُ أنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ خاصَّةً لا يُجيبُكَ إلى بَيعَةِ يَزيدَ أبَداً ولا يَرى لَهُ عَلَيهِ طاعَةً ، ووَاللَّهِ، أن لَو كُنتُ في مَوضِعِكَ لَم اُراجِعِ الحُسَينَ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ حَتّى أضرِبَ رَقَبَتَهُ كائِناً في ذلِكَ ما كانَ .
قالَ : فَأَطرَقَ الوَليدُ بنُ عُتبَةَ إلَى الأَرضِ ساعَةً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وقالَ : يا لَيتَ الوَليدَ لَم يولَد ولَم يَكُن شَيئاً مَذكوراً .
قالَ : ثُمَّ دَمَعَت عَيناهُ ، فَقالَ لَهُ عَدُوُّ اللَّهِ مَروانُ : أوِّه أيُّهَا الأَميرُ ، لا تَجزَع مِمّا قُلتُ لَكَ ؛ فَإِنَّ آلَ أبي تُرابٍ هُمُ الأَعداءُ في قَديمِ الدَّهرِ لَم يَزالوا ، وهُمُ الَّذينَ قَتَلُوا الخَليفَةَ عُثمانَ بنَ عَفّانَ ثُمَّ ساروا إلى أميرِ المُؤمِنينَ فَحارَبوهُ ، وبَعدُ فَإِنّي لَستُ آمَنُ أيُّهَا الأَميرُ أَنَّكَ إن لَم تُعاجِلِ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ خاصَّةً ، أن تَسقُطَ مَنزِلَتُكَ عِندَ أميرِ المُؤمِنينَ يَزيدَ .
فَقالَ لَهُ الوَليدُ بنُ عُتبَةَ : مَهلاً ! وَيحَكَ يا مَروانُ عَن كَلامِكَ هذا ! وأحسِنِ القَولَ فِي ابنِ فاطِمَةَ ، فَإِنَّهُ بَقِيَّةُ وُلدِ النَّبِيّينَ . ۴