۱۹۲.الملهوف : ثُمَّ بَعَثَ [الوَليدُ بنُ عُتبَةَ] إلَى الحُسَينِ عليه السلام فَجاءَهُ في ثَلاثينَ رَجُلاً مِن أهلِ بَيتِهِ ومَواليهِ ، فَنَعَى الوَليدُ إلَيهِ مُعاوِيَةَ وَعَرَضَ عَلَيهِ البَيعَةَ لِيَزيدَ .
فَقالَ عليه السلام : أيُّهَا الأَميرُ ! إنَّ البَيعَةَ لا تَكونُ سِرّاً ، ولكِن إذا دَعَوتَ النّاسَ غَداً فَادعُنا مَعَهُم .
فَقالَ مَروانُ : لا تَقبَل أيُّهَا الأَميرُ عُذرَهُ ، وَمتى لَم يُبايِع فَاضرِب عُنُقَهُ .
فَغَضِبَ الحُسَينُ عليه السلام ثُمَّ قالَ : وَيلي عَلَيكَ يَابنَ الزَّرقاءِ ! أنتَ تَأمُرُ بِضَربِ عُنُقي ؟! كَذَبتَ وَاللَّهِ ولَؤُمتَ .
ثُمَّ أقبَلَ عَلَى الوَليدِ فَقالَ : أيُّهَا الأَميرُ ! إنّا أهلُ بَيتِ النُّبُوَّةِ ومَعدِنُ الرِّسالَة ومُختَلَفُ المَلائِكَةِ ، وبِنا فَتَحَ اللَّهُ وبِنا خَتَمَ اللَّهُ ، ويَزيدُ رَجُلٌ فاسِقٌ ، شارِبُ الخَمرِ ، قاتِلُ النَّفسِ المُحَرَّمَةِ ، مُعلِنٌ بِالفِسقِ ، لَيسَ لَهُ هذِهِ المَنزِلَةُ ، ومِثلي لا يُبايِعُ مِثلَهُ ، ولكِن نُصبِحُ وتُصبِحونَ ونَنظُرُ وتَنظُرونَ أيُّنا أحَقُّ بِالخِلافَةِ وَالبَيعَةِ . ۱
۱۹۳.الفتوح : دَخَلَ الحُسَينُ عليه السلام عَلَى الوَليدِ بنِ عُتبَةَ ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ ، فَرَدَّ عَلَيهِ رَدّاً حَسَناً ، ثُمَّ أدناهُ وقَرَّبَهُ .
قالَ : ومَروانُ بنُ الحَكَمِ هُناكَ جالِسٌ في مَجلِسِ الوَليدِ ، وقَد كانَ بَينَ مَروانَ وبَينَ الوَليدِ مُنافَرَةٌ ومُفاوَضَةٌ ، فَأَقبَلَ الحُسَينُ عليه السلام عَلَى الوَليدِ فَقالَ :
أصلَحَ اللَّهُ الأَميرَ ، وَالصَّلاحُ خَيرٌ مِنَ الفَسادِ ، وَالصِّلَةُ خَيرٌ مِنَ الخَشناءِ والشَّحناءِ ، وقَد آنَ لَكُما أن تَجتَمِعا ، فَالحَمدُ للَّهِِ الَّذي ألَّفَ بَينَكُما . قالَ : فَلَم يُجيباهُ في هذا بِشَيءٍ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : هَل أتاكُم مِن مُعاوِيَةَ كائِنَةُ خَبَرٍ ؛ فَإِنَّهُ كانَ عَليلاً وقَد طالَت عِلَّتُهُ ، فَكَيفَ حالُهُ الآنَ ؟
قالَ : فَتَأَوَّهَ الوَليدُ وَتَنَفَّسَ الصُّعَداءَ وقالَ : أبا عَبدِ اللَّهِ آجَرَكَ اللَّهُ في مُعاوِيَةَ ، فَقَد كانَ لَكَ عَمُّ صِدقٍ ، وقَد ذاقَ المَوتَ ، وهذا كِتابُ أميرِ المُؤمِنينَ يَزيدَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : (إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّآ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ)۲ ، وعَظَّمَ اللَّهُ لَكَ الأَجرَ أيُّهَا الأَميرُ ، ولكِن لِماذا دَعَوتَني ؟
فَقالَ : دَعَوتُكَ لِلبَيعَةِ، فَقَدِ اجتَمَعَ عَلَيهِ النّاسُ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : إنَّ مِثلي لا يُعطي بَيعَتَهُ سِرّاً ، وإنَّما اُحِبُّ أن تَكونَ البَيعَةُ عَلانِيَةً بِحَضرَةِ الجَماعَةِ ، ولكِن إذا كانَ مِنَ الغَدِ ودَعَوتَ النّاسَ إلَى البَيعَةِ دَعَوتَنا مَعَهُم فَيَكونُ أمرَنا واحِداً .
فَقالَ لَهُ الوَليدُ : أبا عَبدِ اللَّهِ ؟ لَقَد قُلتَ فَأَحسَنتَ فِي القَولِ ، وأجَبتَ ۳ جَوابَ مِثلِكَ وكَذا ظَنّي بِكَ ، فَانصَرِف راشِداً عَلى بَرَكَةِ اللَّهِ حَتّى تَأتِيَني غَداً مَعَ النّاسِ .
فَقالَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ : أيُّهَا الأَميرُ ، إنَّهُ إذا فارَقَكَ في هذِهِ السّاعَةِ لَم يُبايِع ؛ فَإِنَّكَ لَن تَقدِرَ مِنهُ ولا تَقدِرُ عَلى مِثلِها ، فَاحبِسهُ عِندَكَ ولا تَدَعهُ يَخرُج أو يُبايِعَ ، وإلّا فَاضرِب عُنُقَهُ .
قالَ : فَالتَفَتَ إلَيهِ الحُسَينُ عليه السلام ، وقالَ : وَيلي عَلَيكَ يَابنَ الزَّرقاءِ ! أتَأمُرُ بِضَربِ عُنُقي ؟! كَذَبتَ وَاللَّهِ ! وَاللَّهِ لَو رامَ ذلِكَ أحَدٌ مِنَ النّاسِ لَسَقَيتُ الأَرضَ مِن دَمِهِ قَبلَ ذلِكَ ، وإن شِئتَ ذلِكَ فَرُم ضَربَ عُنُقي إن كنُتَ صادِقاً .
قالَ : ثُمَّ أقبَلَ الحُسَينُ عليه السلام عَلَى الوَليدِ بنِ عُتبَةَ ، وقالَ : أيُّهَا الأَميرُ ، إنّا أهلُ بَيتِ النُّبُوَّةِ ومَعدِنُ الرِّسالَةِ ومُختَلَفُ المَلائِكَةِ ومَحَلُّ الرَّحمَةِ ، وبِنا فَتَحَ اللَّهُ وبِنا خَتَمَ ، ويَزيدُ رَجُلٌ فاسِقٌ ، شارِبُ خَمرٍ ، قاتِلُ النَّفسِ المُحَرَّمَةِ ، مُعلِنٌ بِالفِسقِ ، مِثلي لا يُبايِعُ لِمِثلِهِ ، ولكِن نُصبِحُ وتُصبِحونَ وَننتَظِرُ وتَنتَظِرونَ أيُّنا أحَقُّ بِالخِلافَةِ وَالبَيعَةِ .
قالَ : وسَمِعَ مَن بِالبابِ الحُسَينَ عليه السلام فَهَمّوا بِفَتحِ البابِ وإشهارِ السُّيوفِ ، فَخَرَجَ إلَيهِم الحُسَينُ عليه السلام سَريعاً فَأَمَرَهُم بِالاِنصِرافِ إلى مَنازِلِهِم ، وأقبَلَ الحُسَينُ عليه السلام إلى مَنزِلِهِ . ۴
1.الملهوف : ص ۹۷ ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۲۵ .
2.البقرة : ۱۵۶ .
3.في المصدر : «وأحببت» ، والصواب ما أثبتناه كما في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي .
4.الفتوح : ج ۵ ص ۱۳ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۱۸۳ .