339
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام

۲۰۸.الفتوح : لَمّا جاءَ إلَيهِ [أي إلَى الإِمامِ الحُسَينِ عليه السلام‏] مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِيَّةِ قالَ : يا أخي فَدَتكَ نَفسي ، أنتَ أحَبُّ النّاسِ إلَيَّ وأعَزُّهُم عَلَيَّ ، ولَستُ وَاللَّهِ أدَّخِرُ النَّصيحَةَ لأَِحَدٍ مِنَ الخَلقِ ، ولَيسَ أحَدٌ أحَقَّ بِها مِنكَ ، فَإِنَّكَ كَنَفسي وروحي وكَبيرُ أهلِ بَيتي ومَن عَلَيهِ اعتِمادي وطاعَتُهُ في عُنُقي ، لأَِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى‏ قَد شَرَّفَكَ وجَعَلَكَ مِن ساداتِ أهلِ الجَنَّةِ ، وإنّي اُريدُ أن اُشيرَ عَلَيكَ بِرَأيي فَاقبَلهُ مِنّي .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : قُل ما بَدا لَكَ . فَقالَ : اُشيرُ عَلَيكَ أن تَنجُوَ نَفسَكَ عَن يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ وعَنِ الأَمصارِ مَا استَطَعتَ ، وأن تَبعَثَ رُسُلَكَ إلَى النّاسِ وتَدعُوَهُم إلى‏ بَيعَتِكَ ، فَإِنّي إن بايَعَكَ النّاسُ وتابَعوكَ حَمِدتُ اللَّهَ عَلى‏ ذلِكَ ، وقُمتَ فيهِم بِما يَقومُ فيهِمُ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله وَالخُلَفاءُ الرّاشِدونَ المَهدِيّونَ مِن بَعدِهِ ، حَتّى‏ يَتَوَفّاكَ اللَّهُ وهُوَ عَنكَ راضٍ ، وَالمُؤمِنونَ كَذلِكَ ، كَما رَضوا عَن أبيكَ وأخيكَ ، وإن أجمَعَ النّاسُ عَلى‏ غَيرِكَ حَمِدتَ اللَّهَ عَلى‏ ذلِكَ ، وإنّي خائِفٌ عَلَيكَ أن تَدخُلَ مِصراً مِنَ الأَمصارِ أو تَأتِيَ جَماعَةً مِنَ النّاسِ فَيَقتَتِلونَ فَتَكونُ طائِفَةٌ مِنهُم مَعَكَ وَطائِفَةٌ عَلَيكَ فَتُقتَلَ بَينَهُم ۱ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : يا أخي ! إلى‏ أينَ أذهَبُ ؟ قالَ : اُخرُج إلى‏ مَكَّةَ ، فَإِنِ اطمَأَنَّت بِكَ الدّارُ فَذاكَ الَّذي تُحِبُّ واُحِبُّ ، وإن تَكُنِ الاُخرى‏ خَرَجتَ إلى‏ بِلادِ اليَمَنِ ، فَإِنَّهُم أنصارُ جَدِّكَ وأخيكَ وأبيكَ ، وهُم أرأَفُ النّاسِ وأرَقُّهُم قُلوباً ، وأوسَعُ النّاسِ بِلاداً وأرجَحُهُم عُقولاً ، فَإِنِ اطمَأَنَّت بِكَ أرضُ اليَمَنِ وإلّا لَحِقتَ بِالرِّمالِ وشُعوبِ ۲ الجِبالِ ، وصِرتَ مِن بَلَدٍ إلى‏ بَلَدٍ لِتَنظُرَ ما يَؤُولُ إلَيهِ أمرُ النّاسِ ، ويُحكَمَ بَينَكَ وبَينَ القَومِ الفاسِقينَ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : يا أخي ! وَاللَّهِ لَو لَم يَكُن فِي الدُّنيا مَلجَأٌ ولا مَأوى‏ لَما بايَعتُ وَاللَّهِ يَزيدَ بنَ مُعاوِيَةَ أبَداً ، وقَد قالَ صلى اللَّه عليه وآله : «اللَّهُمَّ لا تُبارِك في يَزيدَ» .
قالَ : فَقَطَعَ عَلَيهِ مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِيَّةِ الكَلامَ وبَكى‏ ، فَبَكى‏ مَعَهُ الحُسَينُ عليه السلام سَاعَةً ثُمَّ قالَ : جَزَاكَ اللَّهُ - يا أخي - عَنّي خَيراً ، ولَقَد نَصَحتَ وأشَرتَ بِالصَّوابِ ، وأنَا أرجو أن يَكونَ إن شاءَ اللَّهُ رَأيُكَ مُوَفَّقاً مُسَدَّداً ، وإنّي قَد عَزَمتُ عَلَى الخُروجِ إلى‏ مَكَّةَ ، وقَد تَهَيَّأتُ لِذلِكَ أنَا وإخوَتي وبَنو إخوَتي وشيعَتي ، وأمرُهُم أمري ، ورَأيُهُم رَأيي . وأمّا أنتَ يا أخي فَلا عَلَيكَ أن تُقيمَ بِالمَدينَةِ فَتَكونَ لي عَيناً عَلَيهِم ، ولا تُخفِ عَلَيَّ شَيئاً مِن اُمورِهِم . ۳

1.في المصدر : «منهم» ، والصواب ما أثبتناه كما في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي .

2.الشِّعب : الطريق في الجبل (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۸۸ «شعب») .

3.الفتوح: ج ۵ ص‏۲۰، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: ج‏۱ ص‏۱۸۷ نحوه؛ بحار الأنوار : ج‏۴۴ ص‏۳۲۹.


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
338
  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
عدد المشاهدين : 345113
الصفحه من 850
طباعه  ارسل الي