الفصل الرابع : خروج مندوب الإمام من مكّة حتّى شهادته في الكوفة
4 / 1
تَقاريرُ حَولَ ما جَرى في طَريقِ الكوفَةِ
۲۶۱.تاريخ الطبري عن أبي مخنف : دَعَا [الحُسَينُ عليه السلام] مُسلِمَ بنَ عَقيلٍ ، فَسَرَّحَهُ مَعَ قَيسِ بنِ مُسهِرٍ الصَّيداوِيِّ ، وعُمارَةَ بنِ عُبَيدٍ السَّلولِيِّ ، وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَبدِ اللَّهِ بنِ الكَدِنِ الأَرحَبِيِّ ، فَأَمَرَهُ بِتَقوَى اللَّهِ وكِتمانِ أمرِهِ وَاللُّطفِ ؛ فَإِن رَأَى النّاسَ مُجتَمِعينَ مُستَوسِقينَ عَجَّلَ إلَيهِ بِذلِكَ .
فَأَقبَلَ مُسلِمٌ حَتّى أتَى المَدينَةَ ، فَصَلّى في مَسجدِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ووَدَّعَ مَن أحَبَّ مِن أهلِهِ ، ثُمَّ استَأجَرَ دَليلَينِ مِن قَيسٍ ، فَأَقبَلا بِهِ ، فَضَلّا الطَريقَ وجارا ۱ ، وأصابَهُم عَطَشٌ شَديدٌ .
وقالَ الدَّليلانِ : هذَا الطَّريقُ حَتّى تَنتَهِيَ إلَى الماءِ ، وقَد كادوا أن يَموتوا عَطَشاً ، فَكَتَبَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ مَعَ قَيسِ بنِ مُسهِرٍ الصَّيداوِيِّ إلى حُسَينٍ عليه السلام - وذلِكَ بِالمَضيقِ مِن بَطنِ الخُبَيتِ ۲ - :
أمّا بَعدُ ، فَإِنّي أقبَلتُ مِنَ المَدينَةِ مَعي دَليلانِ لي ، فَجارا عَنِ الطَّريقِ وضَلّا ، وَاشتَدَّ عَلَينَا العَطَشُ ، فَلَم يَلبَثا أن ماتا ، وأقبَلنا حَتَّى انتَهَينا إلَى الماءِ ، فَلَم نَنجُ إلّا بِحُشاشَةِ أنفُسِنا ۳ ، وذلِكَ الماءُ بِمَكانٍ يُدعَى المَضيقَ مِن بَطنِ الخُبَيتِ ، وقَد تَطَيَّرتُ مِن وَجهي هذا ، فَإِن رَأَيتَ أعفَيتَني مِنهُ وبَعَثتَ غَيري ، وَالسَّلامُ .
فَكَتَبَ إلَيهِ حُسَينٌ عليه السلام :
أمّا بَعدُ ، فَقَد خَشيتُ ألّا يَكونَ حَمَلَكَ عَلَى الكِتابِ إلَيَّ فِي الاِستِعفاءِ مِنَ الوَجهِ الَّذي وَجَّهتُكَ لَهُ إلَّا الجُبنُ ، فَامضِ لِوَجهِكَ الَّذي وَجَّهتُكَ لَهُ ، وَالسَّلامُ عَلَيكَ .
فَقالَ مُسلِمٌ لَمّا ۴ قَرَأَ الكِتابَ : هذا ما لَستُ أتَخَوَّفُهُ عَلى نَفسي . فَأَقبَلَ كَما هُوَ حَتّى مَرَّ بِماءٍ لِطَيِّئٍ ، فَنَزَلَ بِهِم ثُمَّ ارتَحَلَ مِنهُ ، فَإِذا رَجُلٌ يَرمِي الصَّيدَ ، فَنَظَرَ إلَيهِ قَد رَمى ظَبياً حينَ أشرَفَ لَهُ فَصَرَعَهُ ، فَقالَ مُسلِمٌ : يُقتَلُ عَدُوُّنا إن شاءَ اللَّهُ. ۵
1.الجَوْر : الميل عن القصد ، يُقال : جار عن الطريق (الصحاح : ج ۲ ص ۶۱۷ «جور») .
2.الخُبَيت : منطقة في أطراف المدينة (راجع : الخريطة رقم ۳ في آخر الكتاب) .
3.بِحُشاشَةِ النفس : أي برمق بقيّة الحياة والروح (النهاية : ج ۱ ص ۳۹۱ «حشش») .
4.في المصدر : «لمن قرأ الكتاب» ، والصواب ما أثبتناه كما في المصادر الاُخرى .
5.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۵۴ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۳۴ نحوه وفيه «الخبيث» بدل «الخبيت» ؛ الإرشاد : ج ۲ ص ۳۹ ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۳۵ وراجع : أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۷۰ وروضة الواعظين : ص ۱۹۱ وإعلام الورى : ج ۱ ص ۴۳۶ .