۳۶۹.تاريخ الطبري عن عيسى بن يزيد الكنانيّ : أرسَلَ [ابنُ زِيادٍ] إلى أسماءَ بنِ خارِجَةَ ، ومُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ ، فَقالَ : إيتِياني بِهانِئٍ ، فَقالا لَهُ : إنَّهُ لا يَأتي إلّا بِالأَمانِ ، قالَ : وما لَهُ ولِلأَمانِ ؟ ! وهَل أحدَثَ حَدَثاً ؟ اِنطَلِقا فَإِن لَم يَأتِ إلّا بِأَمانٍ فَآمِناهُ ، فَأَتَياهُ فَدَعَواهُ ، فَقالَ : إنَّهُ إن أخَذَني قَتَلَني ، فَلَم يَزالا بِهِ حَتّى جاءا بِهِ ، وعُبَيدُ اللَّهِ يَخطُب يَومَ الجُمُعَةِ ، فَجَلَسَ فِي المَسجِدِ وقَد رَجَّلَ ۱ هانِئٌ غَديرَتَيهِ. ۲
فَلَمّا صَلّى عُبَيدُ اللَّهِ ، قالَ : يا هانِئُ! فَتَبِعَهُ ودَخَلَ فَسَلَّمَ ، فَقالَ عُبَيدُ اللَّهِ : يا هانِئُ ، أما تَعلَمُ أنَّ أبي قَدِمَ هذَا البَلَدَ فَلَم يَترُك أحَداً مِن هذِهِ الشّيعَةِ إلّا قَتَلَهُ ، غَيرَ أبيكَ وغَيرَ حُجرٍ ، وكانَ مِن حُجرٍ ما قَد عَلِمتَ ، ثُمَّ لَم يَزَل يُحسِنُ صُحبَتَكَ ، ثُمَّ كَتَبَ إلى أميرِ الكوفَةِ : إنَّ حاجَتي قِبَلَكَ هانِئٌ ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : فَكانَ جَزائي أن خَبَّأتَ في بَيتِكَ رَجُلاً لِيَقتُلَني ؟! قالَ : ما فَعَلتُ ، فَأَخرَجَ التَّميمِيَّ الَّذي كانَ عَيناً عَلَيهِم ، فَلَمّا رَآهُ هانِئٌ عَلِمَ أن قَد أخبَرَهُ الخَبَرَ ، فَقالَ : أيُّهَا الأَميرُ ! قَد كانَ الَّذي بَلَغَكَ ولَن اُضَيِّعَ يَدَكَ عَنّي ، فَأَنتَ آمِنٌ وأهلُكَ ، فَسِر حَيثُ شِئتَ .
فَكَبا عُبَيدُ اللَّهِ عِندَها ، ومِهرانُ قائِمٌ عَلى رَأسِهِ في يَدِهِ مِعكَزَةٌ ۳ ، فَقالَ : واذُلّاه ! هذَا العَبدُ الحائِكُ يُؤَمِّنُكَ في سُلطانِكَ ، فَقالَ : خُذهُ ، فَطَرَحَ المِعكَزَةَ وأخَذَ بِضَفيرَتَي هانِئٍ ، ثُمَّ أقنَعَ بِوَجهِهِ ، ثُمَّ أخَذَ عُبَيدُ اللَّهِ المِعكَزَةَ فَضَرَبَ بِها وَجهَ هانِئٍ ، ونَدَرَ ۴ الزُّجُّ ۵ فَارتَزَّ ۶ فِي الجِدارِ ، ثُمَّ ضَرَبَ وَجهَهُ حَتّى كَسَرَ أنفَهُ وجَبينَهُ .
وسَمِعَ النّاسُ الهَيعَةَ ۷ ، وبَلَغَ الخَبَرُ مَذحِجَ فَأَقبَلوا فَأَطافوا بِالدّارِ ، وأمَرَ عُبَيدُ اللَّهِ بِهانِئٍ فَاُلقِيَ في بَيتٍ ، وصَيَّحَ المَذحِجِيّونَ ، وأمَرَ عُبَيدُ اللَّهِ مِهرانَ أن يُدخِلَ عَلَيهِ شُرَيحاً ، فَخَرَجَ فَأَدخَلَهُ عَلَيهِ ، ودَخَلَتِ الشُّرَطُ مَعَهُ ، فَقالَ : يا شُرَيحُ ، قَد تَرى ما يُصنَعُ بي ، قالَ : أراكَ حَيّاً ، قالَ : وحَيٌّ أنَا مَعَ ما تَرى ! أخبِر قَومي أنَّهُم إنِ انصَرَفوا قَتَلَني .
فَخَرَجَ إلى عُبَيدِ اللَّهِ ، فَقالَ : قَد رَأَيتُهُ حَيّاً ، ورَأَيتُ أثَراً سَيِّئاً ، قالَ : وتُنكِرُ ۸ أن يُعاقِبَ الوالي رَعِيَّتَهُ ؟! اُخرُج إلى هؤُلاءِ فَأَخبِرهُم . فَخَرَجَ ، وأمَرَ عُبَيدُ اللَّهِ الرَّجُلَ فَخَرَجَ مَعَهُ ، فَقالَ لَهُم شُرَيحٌ : ما هذِهِ الرِّعَةُ ۹ السَّيِّئَةُ ؟ ! اَلرَّجُلُ حَيٌّ ، وقَد عاتَبَهُ سُلطانُهُ بِضَربٍ لَم يَبلُغ نَفسَهُ ، فَانصَرِفوا ولا تُحِلّوا بِأَنفُسِكُم ولا بِصاحِبِكُم . فَانصَرَفوا. ۱۰
1.الترجُّل : تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه (النهاية : ج ۲ ص ۲۰۳ «رجل») .
2.الغدائر : هي الذوائب ، واحدتها : غديرة (النهاية : ج ۳ ص ۳۴۵ «غدر») .
3.العُكّازة : عصا في أسفلها زجّ يتوكّأ عليها الرجل (لسان العرب : ج ۵ ص ۳۸۰ «عكز») .
4.نَدَرَ الشيءُ : سَقَطَ أو خرج من غَيره (المصباح المنير : ص ۵۹۷ «ندر») .
5.الزُّجُّ : الحديدة في أسفل الرمح (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۱۹۱ «زجج») .
6.ارتزّ : ثبت وبقي مكانه (النهاية : ج ۲ ص ۲۱۹ «رزز») .
7.الهَيْعَةُ : الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدوّ (النهاية : ج ۵ ص ۲۸۸ «هيع») .
8.أنكرتُ عليه فعله : إذا عبته ونهيته (المصباح المنير : ص ۶۲۵ «نكر») .
9.الرِّعة : الشأن والأمر والأدب (تاج العروس : ج ۱۱ ص ۵۰۶ «ورع») .
10.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۶۰ .