493
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام

۴۵۷.الفتوح : اُدخِلَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ عَلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ، فَقالَ لَهُ الحَرَسِيُّ : سَلِّم عَلَى الأَميرِ ، فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ : اُسكُت لا اُمَّ لَكَ ! ما لَكَ ولِلكَلامِ ، وَاللَّهِ لَيسَ هُوَ لي بِأَميرٍ فَاُسَلِّمَ عَلَيهِ ، واُخرى‏ : فَما يَنفَعُنِي السَّلامُ عَلَيهِ وهُوَ يُريدُ قَتلي ؟ فَإِنِ استَبقاني فَسَيَكثُرُ عَلَيهِ سَلامي .
فَقالَ لَهُ عُبَيدُ اللَّهِ بنُ زِيادٍ : لا عَلَيكَ ، سَلَّمتَ أم لَم تُسَلِّم فَإِنَّكَ مَقتولٌ .
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : إن قَتَلتَني فَقَد قَتَلَ شَرٌّ مِنكَ مَن كانَ خَيراً مِنّي .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : يا شاقُّ يا عاقُّ ! خَرَجتَ عَلى‏ إمامِكَ ، وشَقَقتَ عَصَا المُسلِمينَ ، وألقَحتَ الفِتنَةَ !
فَقالَ مُسلِمٌ : كَذَبتَ يَابنَ زِيادٍ ! وَاللَّهِ ما كانَ مُعاوِيَةُ خَليفَةً بِإِجماعِ الاُمَّةِ ، بَل تَغَلَّبَ عَلى‏ وَصِيِّ النَّبِيِّ بِالحيلَةِ ، وأخَذَ عَنهُ الخِلافَةَ بِالغَصبِ ، وكَذلِكَ ابنُهُ يَزيدُ . وأمَّا الفِتنَةُ ، فَإِنَّكَ ألقَحتَها ، أنتَ وأبوكَ زِيادُ بنُ ۱ عِلاجٍ مِن بَني ثَقيفٍ ، وأنَا أرجو أن يَرزُقَنِي اللَّهُ الشَّهادَةَ عَلى‏ يَدَي شَرِّ بَرِيَّتِهِ ، فَوَاللَّهِ ما خالَفتُ ولا كَفَرتُ ولا بَدَّلتُ ، وإنَّما أنَا في طاعَةِ أميرِ المُؤمِنينَ الحُسينِ بنِ عَلِيٍّ ابنِ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ونَحنُ أولى‏ بِالخِلافَةِ مِن مُعاوِيَةَ وَابنِهِ وآلِ زِيادٍ .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : يا فاسِقُ ! ألَم تَكُن تَشرَبُ الخَمرَ فِي المَدينَةِ ؟
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : أحَقُّ وَاللَّهِ بِشُربِ الخَمرِ مِنّي مَن يَقتُلُ النَّفسَ الحَرامَ ، وهُوَ في ذلِكَ يَلهو ويَلعَبُ كَأَنَّهُ لَم يَسمَع شَيئاً !
فَقالَ لَهُ ابنُ زِيادٍ : يا فاسِقُ ! مَنَّتكَ نَفسُكَ أمراً أحالَكَ اللَّهُ دونَهُ ، وجَعَلَهُ لِأَهلِهِ .
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : ومَن أهلُهُ يَابنَ مَرجانَةَ ؟
فَقالَ : أهلُهُ يَزيدُ ومُعاوِيَةُ .
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : اَلحَمدُ للَّهِ‏ِ ، كَفى‏ بِاللَّهِ حَكَماً بَينَنا وبَينَكُم .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ - : أتَظُنُّ أنَّ لَكَ مِنَ الأَمرِ شَيئاً ؟
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : لا وَاللَّهِ ما هُوَ الظَّنُّ ولكِنَّهُ اليَقينُ .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : قَتَلَنِي اللَّهُ إن لَم أقتُلكَ .
فَقالَ مُسلِمٌ : إنَّكَ لا تَدَعُ سوءَ القِتلَةِ ، وقُبحَ المُثلَةِ ، وخُبثَ السَّريرَةِ ، وَاللَّهِ لَو كانَ مَعي عَشرَةٌ مِمَّن أثِقُ بِهِم ، وقَدَرتُ عَلى‏ شَربَةٍ مِن ماءٍ ، لَطالَ عَلَيكَ أن تراني في هذَا القَصرِ ، ولكن إن كُنتَ عَزَمتَ عَلى‏ قَتلي - ولا بُدَّ لَكَ مِن ذلِكَ - فَأَقِم إلَيَّ رَجُلاً مِن قُرَيشٍ اُوصي إلَيهِ بِما اُريدُ .
فَوَثَبَ إلَيهِ عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ ، فَقالَ : أوصِ إلَيَّ بِما تُريدُ يَابنَ عَقيلٍ .
فَقالَ : اُوصيكَ ونَفسي بِتَقوَى اللَّهِ ؛ فَإِنَّ التَّقوى‏ فيهَا الدَّركُ لِكُلِّ خَيرٍ ، وقَد عَلِمتَ ما بَيني وبَينَكَ مِنَ القَرابَةِ ، ولي إلَيكَ حاجَةٌ ، وقَد يَجِبُ عَلَيكَ لِقَرابَتي أن تَقضِيَ حاجَتي .
قالَ : فَقالَ ابنُ زِيادٍ : يَجِبُ ۲ يا عُمَرُ أن تَقضِيَ حاجَةَ ابنِ عَمِّكَ وإن كانَ مُسرِفاً عَلى‏ نَفسِهِ ؛ فَإِنَّهُ مَقتولٌ لا مَحالَةَ .
فَقالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ : قُل ما أحبَبتَ يَابنَ عَقيلٍ .
فَقالَ مُسلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : حاجَتي إلَيكَ أن تَشتَرِيَ فَرَسي وسِلاحي مِن هؤُلاءِ القَومِ فَتَبيعَهُ ، وتَقضِيَ عَنّي سَبعَمِئَةِ دِرهَمٍ استَدَنتُها في مِصرِكُم ، وأن تَستَوهِبَ جُثَّتي إذا قَتَلَني هذا وتُوارِيَني فِي التُّرابِ ، وأن تَكتُبَ إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام ألّا يَقدَمَ فَيَنزِلَ بِهِ ما نَزَلَ بي .
قالَ : فَالتَفَتَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ، فَقالَ : أيُّهَا الأَميرُ ، إنَّهُ يَقولُ كَذا وكَذا .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : أمّا ما ذَكَرتَ - يَابنَ عَقيلٍ - مِن أمرِ دَينِكَ فَإِنَّما هُوَ مالُكَ يُقضى‏ بِهِ دَينُكَ ، ولَسنا نَمنَعُكَ أن تَصنَعَ فيهِ ما أحبَبتَ . وأمّا جَسَدُكَ إذا نَحنُ قَتَلناكَ فَالخَيارُ في ذلِكَ لَنا ، ولَسنا نُبالي ما صَنَعَ اللَّهُ بِجُثَّتِكَ . وأمَّا الحُسَينُ فَإِن لَم يُرِدنا لَم نُرِدهُ ، وإن أرادَنا لَم نَكُفَّ عَنهُ . ولكِنّي اُريدُ أن تُخبِرَني يَابنَ عَقيلٍ ، بِماذا أتَيتَ إلى‏ هذَا البَلَدِ ؟ شَتَّتتَ أمرَهُم ، وفَرَّقتَ كَلِمَتَهُم ، ورَمَيتَ بَعضَهُم عَلى‏ بَعضٍ؟!
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : لَستُ لِذلِكَ أتَيتُ هذَا البَلَدَ ، ولكِنَّكُم أظهَرتُمُ المُنكَرَ ودَفَنتُمُ المَعروفَ ، وتَأَمَّرتُم عَلَى النّاسِ مِن غَيرِ رِضى‏ ، وحَمَلتُموهُم عَلى‏ غَيرِ ما أمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ ، وعَمِلتُم فيهِم بِأَعمالِ كِسرى‏ وقَيصَرَ ، فَأَتَيناهُم لِنَأمُرَ فيهِم بِالمَعروفِ ، ونَنهاهُم عَنِ المُنكَرِ ، ونَدعوَهُم إلى‏ حُكمِ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ ، وكُنّا أهلَ ذلِكَ ، ولَم تَزَلِ الخِلافَةُ لَنا مُنذُ قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ولا تَزالُ الخِلافَةُ لَنا ، فَإِنّا قُهِرنا عَلَيها ، لِأَنَّكُم أوَّلُ مَن خَرَجَ عَلى‏ إمامِ هُدىً ، وشَقَّ عَصَا المُسلِمينَ ، وأخَذَ هذَا الأَمرَ غَصباً ، ونازَعَ أهلَهُ بِالظُّلمِ وَالعُدوانِ ، ولا نَعلَمُ لَنا ولَكُم مَثَلاً إلّا قَولَ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى‏ : (وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )۳ .
قالَ : فَجَعَلَ ابنُ زِيادٍ يَشتِمُ عَلِيّاً وَالحَسَنَ وَالحُسَينَ عليهم السلام .
فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ : أنتَ وأبوكَ أحَقُّ بِالشَّتيمَةِ مِنهُم ، فَاقضِ ما أنتَ قاضٍ ! فَنَحنُ أهلُ بَيتٍ مُوَكَّلٌ بِنَا البَلاءُ .
فَقالَ عُبَيدُ اللَّهِ بنُ زِيادٍ : اِلحَقوا بِهِ إلى‏ أعلَى القَصرِ ، فَاضرِبوا عُنُقَهُ ، وألحِقوا رَأسَهُ جَسَدَهُ .
فَقالَ مُسلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : أمَا وَاللَّهِ يَا بنَ زِيادٍ ! لَو كُنتَ مِن قُرَيشٍ ، أو كانَ بَيني وبَينَكَ رَحِمٌ أو قَرابَةٌ لَما قَتَلتَني ، ولكِنَّكَ ابنُ أبيكَ ۴ . ۵

1.في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : «زياد بن عبيد ...» ، وفي بعض النقول التي ستأتي لاحقاً : «وأبوك زياد بن عبيدٍ عبدُ بني علاجٍ من ثقيف» .

2.في المصدر : «لا يجب» وهو خطأ ، والصواب ما أثبتناه ، وقريب منه ما في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي .

3.الشعراء : ۲۲۷ .

4.عبيد اللَّه هو ابن زياد، ولا يعلم جدّه أي أبو زياد، ولهذا يقال له : زياد بن أبيه، فقال له مسلم على سبيل الكناية: إنّك ابن أبيك، فنسبك غير معلوم.

5.الفتوح : ج ۵ ص ۵۵ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۱۱ نحوه .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
492
  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
عدد المشاهدين : 349660
الصفحه من 850
طباعه  ارسل الي