نظرة إلى أعمال مسلم في الكوفة
يمكن نقد وتقييم ما قام به مسلم في الكوفة بنوعين من وجهات النظر :
فمن خلال نظرة سطحية قد يتصوّر البعضُ أنّه لم يكن يتمتّع بالسياسة والتخطيط اللّازم لأداء المهمّة وإعداد أرضيةٍ لقدوم الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة ؛ ذلك لأنّه لم يستطع أن يوظّف الجوّ السياسي والاجتماعي للكوفة بالنحو المطلوب ، مع أنّه كان متناغماً بشكل كامل مع الثورة الحسينية .
فقد كان تحت تصرّفه ما لا يقل عن اثني عشر ألف مقاتل قبل وصول ابن زياد إلى الكوفة ۱ ، وكان الجوّ السائد في الكوفة ملائماً بحيث اضطرّ ابن زياد إلى أن يدخلها بشكل سرّي ، ولو أنّ مسلماً كان قد أحسن تنظيم القوى المخلصة للنهضة قبل وصول ابن زياد ، لما سنحت لابن زياد الفرصة لتنظيم القوى المعارضة للثورة ، ولما كان بإمكانه محاربة أنصار الإمام ، الأمر الذي لو اُنجز لكان من الممكن تغيّر مصير ثورة أهل الكوفة بوصول الإمام إليهم ، ولما وقعت حادثة كربلاء الأليمة ، ولكنّه - أي مسلم - لم يستغلّ الجوّ السائد في الكوفة ، بل لم يقيّم مدى وفاء أهل الكوفة بشكل صحيح ، وكتب إلى الإمام الحسين عليه السلام :
فَعَجِّلِ الإِقبالَ حينَ يَأتيكَ كِتابي ؛ فَإِنَّ النّاسَ كُلَّهُم مَعَكَ ، لَيسَ لَهُم في آلِ مُعاوِيَةَ رَأيٌ ولا هَوىً . ۲وبذلك انطلق الإمام الحسين عليه السلام نحو الكوفة ، وحدثت واقعة كربلاء الدمويّة الأليمة !
وكما مرت الإشارة فإنّ هذا التقييم لِما قام به مسلم ، إنّما هو تقييم سطحي ، متشائم ولم يأخذ بنظر الاعتبار الملابسات التي أحاطت بمهمّته . ولكن مع الأخذ بنظر الاعتبار حقائق نطاق مهمّته ، يجب القول بأنّه قد أدّى مسؤوليّته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وأنّ ماحدث كان له أسبابه الخاصّة .
ومن أجل تقديم تقييم موضوعي لما قام به مسلم في الكوفة ، علينا أن نركّز اهتمامنا ودراستنا على بعض القضايا :