۷۱۲.الأخبار الطوال : فَلَمَّا انتَصَفَ النَّهارُ وَاشتَدَّتِ الحَرُّ - وكانَ ذلِكَ فِي القَيظِ - تَراءَت لَهُمُ الخَيلُ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام لِزُهَيرِ بنِ القَينِ : أما هاهُنا مَكانٌ يُلجَأُ إلَيهِ ، أو شَرَفٌ نَجعَلُهُ خَلفَ ظُهورِنا ونَستَقبِلُ القَومَ مِن وَجهٍ واحِدٍ ؟
قالَ لَهُ زُهَيرٌ : بَلى ، هذا جَبَلُ ذي جُشَمٍ يَسرَةً عَنكَ ، فَمِل بِنا إلَيهِ فَإِن سَبَقتَ إلَيهِ فَهُوَ كَما تُحِبُّ ، فَسارَ حَتّى سَبَقَ إلَيهِ ، وجَعَلَ ذلِكَ الجَبَلَ وَراءَ ظَهرِهِ .
وأقبَلَتِ الخَيلُ - وكانوا ألفَ فارِسٍ - مَعَ الحُرِّ بنِ يَزيدَ التَّميمِيِّ ، ثُمَّ اليَربوعِيِّ ، حَتّى إذا دَنَوا ، أمَرَ الحُسَينُ عليه السلام فِتيانَهُ أن يَستَقبلوهُم بِالماءِ ، فَشَرِبوا ، وتَغَمَّرَت خَيلُهُم ، ثُمَّ جَلَسوا جَميعاً في ظِلِّ خُيولِهِم ، وأعِنَّتُها في أيديهِم ، حَتّى إذا حَضَرَتِ الظُّهرُ قالَ الحُسَينُ عليه السلام لِلحُرِّ : أتُصَلّي مَعَنا ، أم تُصَلّي بِأَصحابِكَ واُصَلّي بِأَصحابي ؟ قالَ الحُرُّ : بَل نُصَلّي جَميعاً بِصَلاتِكَ .
فَتَقَدَّمَ الحُسَينُ عليه السلام ، فَصَلّى بِهِم جَميعاً ، فَلَمَّا انفَتَلَ مِن صَلاتِهِ حَوَّلَ وَجهَهُ إلَى القَومِ ، ثُمَّ قالَ :
أيُّهَا النّاسُ ! مَعذِرَةً إلَى اللَّهِ ، ثُمَّ إلَيكُم ، إنّي لَم آتِكُم حَتّى أتَتني كُتُبُكُم ، وقَدِمَت عَلَيَّ رُسُلُكُم ، فَإِن أعطَيتُموني ما أطمَئِنُّ إلَيهِ مِن عُهودِكُم ومَواثيقِكُم دَخَلنا مَعَكُم مِصرَكُم ، وإن تَكُنِ الاُخرى انصَرَفتُ مِن حَيثُ جِئتُ . فَاُسكِتَ القَومُ ، فَلَم يَرُدّوا عَلَيهِ .
حَتّى إذا جاءَ وَقتُ العَصرِ ، نادى مُؤَذِّنُ الحُسَينِ عليه السلام ثُمَّ أقامَ ، وتَقَدَّمَ الحُسَينُ عليه السلام ، فَصَلّى بِالفَريقَينِ ، ثُمَّ انفَتَلَ إلَيهِم ، فَأَعادَ مِثلَ القَولِ الأَوَّلِ ، فَقالَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ : وَاللَّهِ ما نَدري ما هذِهِ الكُتُبُ الَّتي تَذكُرُ !
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : اِيتِني بِالخُرجَينِ اللَّذَينِ فيهِما كُتُبُهُم ، فَاُتِيَ بِخُرجَينِ مَملوءَينِ كُتُباً ، فَنُثِرَت بَينَ يَدَيِ الحُرِّ وأصحابِهِ ، فَقالَ لَهُ الحُرُّ : يا هذا ، لَسنا مِمَّن كَتَبَ إلَيكَ شَيئاً مِن هذِهِ الكُتُبِ ، وقَد اُمِرنا ألّا نُفارِقَكَ إذا لَقيناكَ ، أو نَقدَمَ بِكَ الكوفَةَ عَلَى الأَميرِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : المَوتُ دونَ ذلِكَ . ثُمَّ أمَرَ بِأَثقالِهِ فَحُمِلَت ، وأمَرَ أصحابَهُ فَرَكِبوا ، ثُمَّ وَلّى وَجهَهُ مُنصَرِفاً نَحوَ الحِجازِ ، فَحالَ القَومُ بَينَهُ وبَينَ ذلِكَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام لِلحُرِّ : مَا الَّذي تُريدُ ؟ قالَ : اُريدُ وَاللَّهِ أن أنطَلِقَ بِكَ إلَى الأَميرِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ . قالَ الحُسَينُ عليه السلام : إذَن وَاللَّه اُنابِذُكَ الحَربَ .
فَلَمّا كَثُرَ الجِدالُ بَينَهُما قالَ الحُرُّ : إنّي لَم اُؤمَر بِقِتالِكَ ، وإنَّما اُمِرتُ ألّا اُفارِقَكَ ، وقَد رَأَيتُ رَأياً فيهِ السَّلامَةُ مِن حَربِكَ ، وهُوَ أن تَجعَلَ بَيني وبَينَكَ طَريقاً لا تُدخِلُكَ الكوفَةَ ، ولا تَرُدُّكَ إلَى الحِجازِ ، تَكونُ نَصَفاً بَيني وبَينَكَ ، حَتّى يَأتِيَنا رَأيُ الأَميرِ .
قالَ الحُسَينُ عليه السلام : فَخُذ هاهُنا . فَأَخَذَ مُتَياسِراً مِن طَريقِ العُذَيبِ ، ومِن ذلِكَ المَكانِ إلَى العُذَيبِ ثَمانِيَةٌ وثَلاثونَ ميلاً . فَسارا جَميعاً حَتَّى انتَهَوا إلى عُذَيبِ الحَماماتِ ۱ ، فَنَزَلوا جَميعاً ، وكُلُّ فَريقٍ مِنهُما عَلى غَلوَةٍ ۲ مِنَ الآخَرِ . ۳
1.الصحيح : عذيب الهجانات ، كما في سائر المصادر .
2.الغَلْوَةُ : قَدْرُ رمية بسهم (النهاية : ج ۳ ص ۳۸۳ «غلا») .
3.الأخبار الطوال : ص ۲۴۸ ، بغية الطلب في تاريخ حلب : ج ۶ ص ۲۶۲۲ .