7 / 30
إقبالُ أربَعَةِ نَفَرٍ مِنَ الكوفَةِ مَعَهُمُ الطِّرِمّاحُ بنُ عَدِيٍّ إلَى الإِمامِ عليه السلام
۷۲۳.تاريخ الطبري عن عقبة بن أبي العَيزار : كانَ [الحُرُّ بنُ يَزيدَ الرِّياحِيُ] يَسيرُ بِأَصحابِهِ في ناحِيَةٍ ، وحُسَينٌ عليه السلام في ناحِيَةٍ اُخرى ، حَتّى انتَهَوا إلى عُذَيبِ الهِجاناتِ ، وكانَ بِها هَجائِنُ ۱ النُّعمانِ تَرعى هُنالِكَ ، فَإِذا هُم بِأَربَعَةِ نَفَرٍ قَد أقبَلوا مِنَ الكوفَةِ عَلى رَواحِلِهِم ، يَجنُبونَ ۲ فَرَساً لِنافِعِ بنِ هِلالٍ - يُقالُ لَهُ الكامِلُ - ومَعَهُم دَليلُهُمُ الطِّرمّاحُ بنُ عَدِيٍّ عَلى فَرَسِهِ ، وهُوَ يَقولُ :
يا ناقَتي لا تَذعَري مِن زَجريوشَمِّري قَبلَ طُلوعِ الفَجرِ
بِخَيرِ رُكبانٍ وخَيرِ سَفرِحَتّى تَحِلّي بِكَريمِ النَّجرِ
الماجِدِ الحُرِّ رَحيبِ الصَّدرِأتى بِهِ اللَّهُ لِخَيرِ أمرِ
ثَمَّتَ أبقاهُ بَقاءَ الدَّهرِ
قالَ : فَلَمَّا انتَهَوا إلَى الحُسَينِ عليه السلام أنشَدوهُ هذِهِ الأَبياتَ ، فَقالَ : أما وَاللَّهِ إنّي لَأَرجو أن يَكونَ خَيراً ما أرادَ اللَّهُ بِنا ، قُتِلنا أم ظَفِرنا .
قالَ : وأقبَلَ إلَيهِمُ الحُرُّ بنُ يَزيدَ ، فَقالَ : إنَّ هؤُلاءِ النَّفَرَ الَّذينَ مِن أهلِ الكوفَةِ لَيسوا مِمَّن أقبَلَ مَعَكَ ، وأنَا حابِسُهُم أو رادُّهُم .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : لَأَمنَعَنَّهُم مِمّا أمنَعُ مِنهُ نَفسي ، إنَّما هؤُلاءِ أنصاري وأعواني ، وقَد كُنتَ أعطَيتَني ألّا تَعرِضَ لي بِشَيءٍ حَتّى يَأتِيَكَ كِتابٌ مِنِ ابنِ زِيادٍ .
فَقالَ : أجَل ، لكِن لَم يَأتوا مَعَكَ ! قالَ : هُم أصحابي ، وهُم بِمَنزِلَةِ مَن جاءَ مَعي ، فَإِن تَمَمتَ عَلى ما كانَ بَيني وبَينَكَ وإلّا ناجَزتُكَ . قالَ : فَكَفَّ عَنهُمُ الحُرُّ .
قالَ : ثُمَّ قالَ لَهُمُ الحُسَينُ عليه السلام : أخبِروني خَبَرَ النّاسِ وَراءَكُم ؟
فَقالَ لَهُ مُجَمِّعُ بنُ عَبدِ اللَّهِ العائِذِيُّ ، وهُوَ أحَدُ النَّفَرِ الأَربَعَةِ الَّذينِ جاؤوهُ : أمّا أشرافُ النّاسِ فَقَد اُعظِمَت رِشوَتُهُم ، ومُلِئَت غَرائِرُهُم ، يُستَمال وُدُّهُم ، ويُستَخلَصُ بِهِ نَصيحَتُهُم ، فَهُم إلبٌ ۳ واحِدٌ عَلَيكَ ، وأمّا سائِرُ النّاسِ بَعدُ ، فَإِنَّ أفئِدَتَهُم تَهوي إلَيكَ ، وسُيوفَهُم غَداً مَشهورَةٌ عَلَيكَ .
قالَ : أخبِروني ، فَهَل لَكُم بِرَسولي إلَيكُم ؟ قالوا : مَن هُوَ ؟ قالَ : قَيسُ بنُ مُسهِرٍ الصَّيداوِيُّ .
فَقالوا : نَعَم ، أخَذَهُ الحُصَينُ بنُ تَميمٍ ۴ ، فَبَعَثَ بِهِ إلَى ابنِ زِيادٍ ، فَأَمَرَهُ ابنُ زِيادٍ أن يَلعَنَكَ ويَلعَنَ أباكَ ، فَصَلّى عَلَيكَ وعَلى أبيكَ ، ولَعَنَ ابنَ زِيادٍ وأباهُ ، ودَعا إلى نُصرَتِكَ ، وأخبَرَهُم بِقُدومِكَ ، فَأَمَرَ بِهِ ابنُ زِيادٍ فَاُلقِيَ مِن طَمارِ ۵ القَصرِ ؛ فَتَرَقرَقَت عَينا حُسَينٍ عليه السلام ولَم يَملِك دَمعَهُ ، ثُمَّ قالَ : (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ). ۶ اللَّهُمَّ اجعَل لَنا ولَهُمُ الجَنَّةَ نُزُلاً ، وَاجمَع بَينَنا وبَينَهُم في مُستَقَرًّ مِن رَحمَتِكَ ، ورَغائِبِ مَذخورِ ثَوابِكَ .
قالَ أبو مِخنَفٍ : حَدَّثَني جَميلُ بنُ مَرثَدٍ مِن بَني مَعَنٍ ، عَنِ الطِّرِمّاحِ بنِ عَدِيٍّ ؛ أنَّهُ دَنا مِنَ الحُسَينِ عليه السلام فَقالَ لَهُ : وَاللَّه إِنّي لَأَنظُرُ فَما أرى مَعَكَ أحَداً ، ولَو لَم يُقاتِلكَ إلّا هؤُلاءِ الَّذينَ أراهُم مُلازِميكَ لَكانَ كَفى بِهِم ، وقَد رَأَيتُ قَبلَ خُروجي مِنَ الكوفَةِ إلَيكَ بِيَومٍ ظَهرَ الكوفَةِ ، وفيهِ مِنَ النّاسِ ما لَم تَرَ عَينايَ في صَعيدٍ واحِدٍ جَمعاً أكثَرَ مِنهُ ، فَسَأَلتُ عَنهُم ، فَقيلَ : اِجتَمَعوا لِيُعرَضوا ، ثُمَّ يُسَرَّحونَ إلَى الحُسَينِ .
فَأَنشُدُكَ اللَّهَ إن قَدَرتَ عَلى ألّا تَقَدَّمَ عَلَيهِم شِبراً إلّا فَعَلتَ ! فإن أرَدتَ أن تَنزِلَ بَلَداً يَمنَعُكَ اللَّهُ بِهِ حَتّى تَرى مِن رَأيِكَ ، ويَستَبينَ لَكَ ما أنتَ صانِعٌ ، فَسِر حَتّى اُنزِلَكَ مَناعَ جَبَلِنا الَّذي يُدعى أجَأً ، اِمتَنَعنا وَاللَّهِ بِهِ مِن مُلوكِ غَسّانَ وحِميَرٍ ، ومِنَ النُّعمانِ بنِ المُنذِرِ ، ومِنَ الأَسوَدِ وَالأَحمَرِ ، وَاللَّهِ إن دَخَلَ عَلَينا ذُلٌّ قَطُّ ؛ فَأَسيرُ مَعَكَ حَتّى اُنزِلَكَ القُرَيَّةَ ، ثُمَّ نَبعَثُ إلَى الرِّجالِ مِمَّن بِأَجَأٍ وسَلمى مِن طَيِّئٍ ، ۷ فَوَاللَّهِ لا يَأتي عَلَيكَ عَشَرَةُ أيّامٍ حَتّى تَأتِيَكَ طَيِّئٌ رِجالاً ورُكباناً ، ثُمَّ أقِم فينا ما بَدا لَكَ ، فَإِن هاجَكَ هَيجٌ فَأَنَا زَعيمٌ لَكَ بِعِشرينَ ألفَ طائِيٍّ يَضرِبونَ بَينَ يَدَيكَ بِأَسيافِهِم ، وَاللَّهِ لا يوصَلُ إلَيكَ أبَداً ومِنهُم عَينٌ تَطرِفُ .
فَقالَ لَهُ : جَزاكَ اللَّهُ وقَومَكَ خَيراً ! إنَّهُ قَد كانَ بَينَنا وبَينَ هؤُلاءِ القَومِ قَولٌ لَسنا نَقدِرُ مَعَهُ عَلَى الاِنصِرافِ ، ولا نَدري عَلامَ تَنصَرِفُ بِنا وبِهِمُ الاُمورُ في عاقِبِهِ .
قالَ أبو مِخنَفٍ : فَحَدَّثَني جَميلُ بنُ مَرثَدٍ ، قالَ : حَدَّثَني الطِّرِمّاحُ بنُ عَدِيٍّ، قالَ: فَوَدَّعتُهُ وقُلتُ لَهُ : دَفَعَ اللَّهُ عَنكَ شَرَّ الجِنِّ وَالإِنسِ ، إنّي قَدِ امتَرتُ ۸ لِأَهلي مِنَ الكوفَةِ ميرَةً ، ومَعي نَفَقَةٌ لَهُم ، فَآتيهِم فَأَضَعُ ذلِكَ فيهِم ، ثُمَّ اُقبِلُ إلَيكَ إن شاءَ اللَّهُ ، فَإِن ألحَقكَ فَوَاللَّهِ لَأَكونَنَّ مِن أنصارِكَ .
قالَ : فَإِن كُنتَ فاعِلاً فَعَجِّل رَحِمَكَ اللَّهُ ! قالَ : فَعَلِمتُ أنَّهُ مُستَوحِشٌ إلَى الرِّجالِ حَتّى يَسأَلُنِي التَّعجيلَ .
قالَ : فَلَمّا بَلَغتُ أهلي وَضَعتُ عِندَهُم ما يُصلِحُهُم ، وأوصَيتُ ، فَأَخَذَ أهلي يَقولونَ : إنَّكَ لَتَصنَعُ مَرَّتُكَ هذِهِ شَيئاً ما كُنتَ تَصنَعُهُ قَبلَ اليَومِ ! فَأَخبَرتُهُم بِما اُريدُ ، وأقبَلتُ في طَريقِ بَني ثُعَلٍ ، حَتّى إذا دَنَوتُ مِن عُذَيبِ الهِجاناتِ استَقبَلَني سَماعَةُ بنُ بَدرٍ ، فَنَعاهُ إلَيَّ ، فَرَجَعتُ . ۹
1.الهِجَان: الإبل البيض، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، وناقة هجان: أي كريمة (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۸۶۲ «هجن») .
2.جَنَبْتُ الدابّة : إذا قدتها إلى جنبك (الصحاح : ج ۱ ص ۱۰۲ «جنب») .
3.الإلبُ - بالفتح والكسر - : القوم يجتمعون على عداوة إنسان (النهاية : ج ۱ ص ۵۹ «ألب») .
4.كذا في المصدر ، وفي أكثر المصادر : «الحصين بن نمير» .
5.طَمار - بوزن قَطام - : الموضع المرتفع العالي (النهاية : ج ۳ ص ۱۳۸ «طمر») .
6.الأحزاب : ۲۳ .
7.راجع : الخريطة رقم ۳ في آخر الكتاب .
8.المِيرَة : الطعام يمتاره الإنسان ، وامتارَ لهم : جلبَ لهم . ويقال : مارَهُم يميرهم : إذا أعطاهم المِيرة (تاج العروس : ج ۷ ص ۵۰۰ «مير») .
9.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۰۴ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۵۳ ، البداية والنهاية : ج ۸ ص ۱۷۳ كلاهما نحوه وراجع : تجارب الاُمم : ج ۲ ص ۶۵ ، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۲۸ .