۷۳۶.الفتوح : وإذا كِتابٌ قَد وَرَدَ مِنَ الكوفَةِ : مِن عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ إلَى الحُرِّ بنِ يَزيدَ ، أمّا بَعدُ ، يا أخي ! إذا أتاكَ كِتابي فَجَعجِع بِالحُسَينِ ، ولا تُفارِقهُ حَتّى تَأتِيَني بِهِ ؛ فَإِنّي أمَرتُ رَسولي ألّا يُفارِقَكَ ، حَتّى يَأتِيَني بِإِنفاذِ أمري إلَيكَ ، وَالسَّلامُ .
قالَ : فَلَمّا قَرَأَ الحُرُّ الكِتابَ ، بَعَثَ إلى ثِقاتِ أصحابِهِ فَدَعاهُم ، ثُمَّ قالَ : وَيحَكُم ! وَرَدَ عَلَيَّ كِتابُ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ يَأمُرُني أن أقدَمَ إلَى الحُسَينِ عليه السلام بِما يَسوؤُهُ ، ووَاللَّهِ ما تُطاوِعُني نَفسي ، ولا تُجيبُني إلى ذلِكَ .
فَالتَفَتَ رَجُلٌ مِن أصحابِ الحُرِّ بنِ يَزيدَ - يُكَنّى أبَا الشَّعثاءِ الكِندِيَّ - إلى رَسولِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ، فَقالَ لَهُ : فيماذا جِئتَ ثَكِلَتكَ ۱ اُمُّكُ ؟! فَقالَ لَهُ : أطَعتُ إمامي ، ووَفَيتُ بِبَيعَتي ، وجِئتُ بِرِسالَةِ أميري .
فَقالَ لَهُ أبُو الشَّعثاءِ : لَقَد عَصَيتَ رَبَّكَ ، وأطَعتَ إمامَكَ ، وأهلَكتَ نَفسَكَ ، وَاكتَسَبتَ عاراً ؛ فَبِئسَ الإِمامُ إمامُكَ ! قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ : (وَ جَعَلْنَهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ يَوْمَ الْقِيَمَةِ لَا يُنصَرُونَ )۲ . ۳
۷۳۷.الفتوح : وأصبَحَ الحُسَينُ عليه السلام مِن وَراءِ عُذَيبِ الهِجاناتِ ، وإذا بِالحُرِّ بنِ يَزيدَ قَد ظَهَرَ لَهُ أيضاً في جَيشِهِ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : ما وَراءَكَ يَابنَ يَزيدَ ! ألَيسَ قَد أمَرتَنا أن نَأخُذَ عَلَى الطَّريقِ فَأَخَذنا وقَبِلنا مَشورَتَكَ ؟ فَقالَ : صَدَقتَ ، ولكِن هذا كِتابُ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ قَد وَرَدَ عَلَيَّ ، يُؤَنِّبُني ويُعَنِّفُني في أمرِكَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : فَذَرنا حَتّى نَنزِلَ بِقَريَةِ نينَوى أوِ الغاضِرِيَّةِ ، فَقالَ الحُرُّ : لا وَاللَّهِ ما أستَطيعُ ذلِكَ ، هذا رَسولُ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ مَعي ، ورُبَّما بَعَثَهُ عَيناً عَلَيَّ .
قالَ : فَأَقبَلَ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام عَلى رَجُلٍ مِن أصحابِهِ يُقالُ لَهُ زُهَيرُ بنُ القَينِ البَجَلِيُّ ، فَقالَ لَهُ : يَابنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ ! ذَرنا حَتّى نُقاتِلَ هؤُلاءِ القَومَ ؛ فَإِنَّ قِتالَنا السّاعَةَ - نَحنُ وإيّاهُم - أيسَرُ عَلَينا وأهوَنُ مِن قِتالِ مَن يَأتينا مِن بَعدِهِم .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : صَدَقتَ يا زُهَيرُ ! ولكِن ما كُنتُ بِالَّذي اُنذِرُهُم ۴ بِقِتالٍ حَتّى يَبتَدِروني . فَقالَ لَهُ زُهَيرٌ : فَسِر بِنا حَتّى نَصيرَ بِكَربَلاءَ ؛ فَإِنَّها عَلى شاطِئِ الفُراتِ ، فَنَكونَ هُنالِكَ ، فَإِن قاتَلونا قاتَلناهُم وَاستَعَنّا بِاللَّهِ عَلَيهِم .
قالَ : فَدَمِعتَ عَينا الحُسَينِ عليه السلام ، ثُمَّ قالَ : اللَّهُمَّ ! ثُمَّ اللَّهُمَّ ! إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الكَربِ وَالبَلاءِ . قالَ : ونَزَلَ الحُسَينُ عليه السلام في مَوضِعِهِ ذلِكَ ، ونَزَلَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ حِذاءَهُ في ألفِ فارِسٍ . ۵
1.ثَكِلَتْكَ اُمُّكَ : أي فقدتك ، والثُّكْل : فقد الولد (النهاية : ج ۱ ص ۲۱۷ «ثكل») .
2.القصص : ۴۱ .
3.الفتوح : ج ۵ ص ۷۷ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۳۱ .
4.كذا في المصدر ، وفي مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : «لأبدأهم» .
5.الفتوح : ج ۵ ص ۸۰ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۳۴ نحوه .