71
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام

رابعاً : الهدفية المتعدّدة الطبقات‏

من أجل بيان الهدفيّة المتعدّدة الطبقات ، فإننّا سوف نسلّط الضوء على هذه الهدفيّة في طبقتين ، معتقدين بأنّ الإمام الحسين عليه السلام كان على علم بشهادته ، ولكنّه كان يعتبر الشهادة مقصداً لا مقصوداً وهدفاً :

الطبقة الاُولى‏

سنحلّل في هذه الطبقة مسألة الهدف من ثورة عاشوراء من وجهة نظر الإمام الحسين عليه السلام والاُسس العامّة للإمامة.
فقد ذكر الإمام الحسين عليه السلام في أقواله وخطبه وكتبه بعض الأهداف لسلوكه، وقد ذكرت بعض هذه الأهداف في مرحلة الامتناع عن البيعة ليزيد ، والبعض الآخر في مرحلة مسيره من المدينة نحو مكّة ومنها إلى الكوفة.
وبعبارة اُخرى فقد ذكر الإمام الحسين عليه السلام في أقواله وكتبه العديدة بعض الأسباب والأهداف للامتناع عن البيعة ، وبرّر بشكل آخر مسيره من المدينة إلى مكّة ومنها إلى الكوفة.
فقد طرح الإمام الحسين عليه السلام في القسم الأوّل فسق يزيد وعدم أحقّيته . ففي اعتراضه على والي المدينة صرّح بهذا الأمر قائلاً :
أيُّهَا الأَميرُ ! إنّا أهلُ بَيتِ النُّبُوَّةِ ، ومَعدِنُ الرِّسالَةِ ، ومُختَلَفُ المَلائِكَةِ ، ومَحَلُّ الرَّحمَةِ ، وبِنا فَتَحَ اللَّهُ وبِنا خَتَمَ ، ويَزيدُ رَجُلٌ فاسِقٌ شارِبُ خَمرٍ ، قاتِلُ النَّفسِ المُحَرَّمَةِ ، مُعلِنٌ بِالفِسقِ ، مِثلي لا يُبايِعُ لِمِثلِهِ ، ولكِن نُصبِحُ وتُصبِحونَ ، وتَنتَظِرُ وتَنتظُرونَ ، أيُّنا أحَقُّ بِالخِلافَةِ وَالبَيعَةِ . ۱
ويطرح في القسم الثاني، إصلاح الاُمّة وإحياء السنّة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة السلطان الجائر والعزّة والإباء. فقد روي عنه عليه السلام في هذا المجال أنّه قال:
إنّي لَم أخرُج أشِراً ولا بَطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالِماً ، وإنَّما خَرَجتُ لِطَلَبِ النَّجاحِ وَالصَّلاحِ في اُمَّةِ جَدّي مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، اُريدُ أن آمُرَ بِالمَعروفِ وأنهى‏ عَنِ المُنكَرِ ، وأسيرَ بِسيرَةِ جَدّي مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وسيرَةِ أبي عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ... فَمَنْ قَبِلَني بِقَبولِ الحَقِّ فَاللَّهُ أولى‏ بِالحَقِّ ومَن رَدَّ عَلَيَّ هذا أصبِرُ حَتّى‏ يَقضِيَ اللَّهُ بَيني وبَينَ القَومِ بِالحَقِّ ويَحكُمَ بَيني وبَيْنَهُم بِالحقِّ وهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ‏ . ۲
مضافاً إلى هذه الأقوال والكتب ، فإنّ تحليل شؤون الإمامة ۳ يقتضي هذا أيضاً، وقد حاز الإمام الحسين عليه السلام منصب الإمامة لبيان الدين وتطبيقه ، والمحافظة عليه من الاضمحلال والزوال ، وصونه عن التحريف ، ولكي يكون قدوة للمجتمع، ومن المفترض أن تلقي هذه الشؤون بظلّها على جميع سلوكياته وأقواله وأفكاره، فكيف يمكن تحليل حادثة بهذه العظمة بمعزل عن هذه الأهداف؟ الحادثة التي اُريقت فيها دماء هؤلاء العظام على الأرض.
وتعدّ هذه الطبقة الاُولى من أهداف حادثة عاشوراء ، ومن المحتمل أن يكون مراد الذين عبّروا بإقامة الحكم ، هو العنوان المنتزع من هذه الاُمور ، وكما أشرنا فإنّ هذا التعبير لم يبيّن بصراحة في أقوال الإمام وكتبه .
ويمكن القول إنّ معطيات هذه الطبقة من الأهداف هي زلزلة دعائم حكم بني اُميّة ، والإطاحة بحكم يزيد، ووقوع الثورات الانتقاميّة ، ووعي الناس في تلك الحقبة من التاريخ ، وبالطبع فقد حدث ذلك خلال فترات زمنيّة قصيرة نسبيّاً .

1.راجع : ص ۳۲۵ ح ۱۹۲ .

2.راجع : ص ۳۴۰ ح ۲۰۹ .

3.من جملة واجبات الإمام عليه السلام وصلاحياته ، ومن جملة شروط ومقتضيات الإمامة .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
70

ب - القصد المباشر وغير المباشر

يرى العلّامة العسكري في مقدّمة مرآة العقول الذي صدر فيما بعد تحت عنوان «معالم المدرستين» أنّ الإمام الحسين عليه السلام قصد الشهادة ، ولكنّه كان يريد أن يقوم الناس بثورة مسلّحة ضدّ حكم يزيد . ۱

ج - إقامة الحكم مع العلم بالشهادة

يقول آية اللَّه رضا الاُستادي :
نحن لا نقول بأنّ الإمام ذهب بهدف القتل، بل نقول إنّه ذهب رغم أنّه كان يعلم بأنّه سوف يقتل، لكن على الظاهر إنّه ذهب لإقامة الحكم بدعوة أهل الكوفة۲.
وبعد استعراض هذه الآراء، نسلّط الضوء على بعض الأسئلة والإبهامات والنقود الواردة عليها بصورة إجمالية ، دون أن نقصد التفصيل والدراسة الشاملة:
1 . لم تكن الشهادة هدف الإمام ومقصده كما مرّ، رغم أنّها مقصودة، وقد خلط اُولئك الذين اعتبروا طلب الشهادة هدفاً بين المقصد والمقصود من جهة ، وتجاهلوا من جهة اُخرى أقوال الإمام الحسين عليه السلام وخطبه وكتبه، حيث أكّد الإمام في هذه المجموعة على أهداف غير طلب الشهادة.
2 . المعتقدون بنظريّة إقامة الحكم لم يسلّطوا الضوء على علم الإمام بالشهادة ، إن لم نقل إنّهم تجاهلوه ، رغم أنّ النصوص الدالّة عليه متواترة. ومن جهة اُخرى فإنّ المصدر الذي استندوا إليه في استخراج هذا الهدف هو أقوال الإمام الحسين عليه السلام وخطبه وكتبه (إلى أهل الكوفة والبصرة) وإرساله مبعوثه إلى الكوفة ، وأخذ مبعوثه (مسلم) البيعة له ، وإعلانه بالالتزام بالبيعة ، ومصادرته قافلة تجاريّة ليزيد مع شواهد اُخرى من هذا القبيل . طبعاً في مجموعة أقوال وكتب الإمام عليه السلام ، وما نراه في هذه‏المجموعة هو الدعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح اُمور الاُمّة، وإحياء سنّة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، ولا تدلّ بصراحة على عزمه إقامة الحكم إلّا إذا اعتبرناها ملازمة لإقامة الحكم. نعم، عندما امتنع عن البيعة أشار في بعض النصوص إلى عدم كفاءة يزيد وأحقّيته في أمر الخلافة.
ومن جهة اُخرى فإنّ تعبير «الخروج» في كلام الإمام الحسين عليه السلام لا يعني الثورة، بل يعني - في جميع المواضع - الخروج من المدينة ، وقد يعبّر عنه خطأً بالثورة.
3 . ليس لنظريّة المحافظة على النفس أيّ شاهد كلاميّ وتاريخيّ ، ولذلك فإنّها غير قابلة للعرض، وفي نفس الوقت فإنّها لا تنسجم مع شؤون الإمامة.
4 . يجب الحديث فيما يتعلّق بنظريّة الجمع عمّا ذكرناه في الفقرتين الاُولى والثانية، علماً أنّ بعض وجوه هذه الحادثة تمّ تجاهلها في هذا التحليل - كالنظريّات الثلاث الاُولى - حيث سنتناولها في المباحث القادمة .

1.مقدّمة مرآة العقول : ج ۲ ص ۴۹۳ - ۴۹۴ ؛ معالم المدرستين: ج ۳ ص ۳۰۸ .

2.سرگذشت كتاب شهيد جاويد «بالفارسية»: ص ۳۳۹.

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
عدد المشاهدين : 308998
الصفحه من 850
طباعه  ارسل الي