۸۰۴.الفتوح : إذَا المُنادي يُنادي مِن عَسكَرِ عُمَرَ : يا جُندَ اللَّهِ اركَبوا .
قالَ : فَرَكِبَ النّاسُ وساروا نَحوَ مُعَسكَرِ الحُسَينِ عليه السلام ، وَالحُسَينُ عليه السلام في وَقتِهِ ذلِكَ جالِسٌ قَد خَفَقَ رَأسُهُ عَلى رُكبَتَيهِ ، وسَمِعَت اُختُهُ زَينَبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا الصَّيحَةَ وَالضَّجَّةَ ، فَدَنَت مِن أخيها وحَرَّكَتهُ ، فَقالَت : يا أخي ، ألا تَسمَعُ الأَصواتَ قَدِ اقتَرَبَت مِنّا ؟!
قالَ : فَرَفَعَ الحُسَينُ عليه السلام رَأسَهُ ، وقالَ : يا اُختاه ، إنّي رَأَيتُ جَدّي فِي المَنامِ وأبي عَلِيّاً وفاطِمَةَ اُمّي وأخِي الحَسَنَ عليهم السلام ، فَقالوا : يا حُسَينُ ، إنَّكَ رائِحٌ إلَينا عَن قَريبٍ ، وقَد وَاللَّهِ يا اُختاه دَنَا الأَمرُ في ذلِكَ ، لا شَكَّ .
قالَ : فَلَطَمَت زَينَبُ عليها السلام وَجهَها ، وصاحَت واخَيبَتاه ! فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : مَهلاً ! اُسكُتي ولا تَصيحي ، فَتَشمَتَ بِنَا الأَعداءُ .
ثُمَّ أقبَلَ الحُسَينُ عليه السلام عَلى أخيهِ العَبّاسِ عليه السلام ، فَقالَ : يا أخي ، اركَب وتَقَدَّم إلى هؤُلاءِ القَومِ ، وسَلهُم عَن حالِهِم ، وَارجِع إلَيَّ بِالخَبَرِ .
قالَ : فَرَكِبَ العَبّاسُ عليه السلام في إخوَتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم - ومَعَهُ أيضاً عَشَرَةُ فَوارِسَ حَتّى دَنا مِنَ القَومِ ، ثُمَّ قالَ : ما شَأنُكُم وما تُريدونَ ؟ فَقالوا : نُريدُ أنَّهُ قَد جاءَ الأَمرُ مِن عِندِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ يَأمُرُنا أن نَعرِضَ عَلَيكُم أن تَنزِلوا عَلى أمرِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ، أو نُلحِقَكُم بِمَن سَلَفَ !
فَقالَ لَهُمُ العَبّاسُ عليه السلام : لا تَعجَلوا حَتّى أرجِعَ إلَى الحُسَينِ عليه السلام فَاُخبِرَهُ بِذلِكَ .
قالَ : فَوَقَفَ القَومُ في مَواضِعِهِم ، ورَجَعَ العَبّاسُ إلَى الحُسَينِ عليهما السلام ، فَأَخبَرَهُ بِذلِكَ ، فَأَطرَقَ الحُسَينُ عليه السلام ساعَةً ، وَالعَبّاسُ عليه السلام واقِفٌ بَينَ يَدَيهِ ، وأصحابُ الحُسَينِ عليه السلام يُخاطِبونَ أصحابَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ .
فَقالَ لَهُم حَبيبُ بنُ مُظاهِرٍ : أما وَاللَّهِ ، لَبِئسَ القَومُ يَقدَمونَ غَداً عَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ وعَلى رَسولِهِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله وقَد قَتَلوا ذُرِّيَّتَهُ وأهلَ بَيتِهِ المُجتَهِدينَ بِالأَسحارِ ، الذّاكِرينَ اللَّهَ كَثيراً بِاللَّيلِ وَالنَّهارِ ، وشيعَتَهُ الأَتقِياءَ الأَبرارَ .
قالَ : فَقالَ رَجُلٌ مِن أصحابِ عُمَرَ يُقالُ لَهُ عَزرَةُ ۱ بنُ قَيسٍ : يابنَ مُظاهِرٍ ، إنَّكَ لَتُزَكّي نَفسَكَ مَا استَطَعتَ !
فَقالَ لَهُ زُهَيرٌ : اِتَّقِ اللَّهَ يابنَ قَيسٍ ، ولا تَكُن مِنَ الَّذينَ يُعينونَ عَلَى الضَّلالِ ، ويَقتُلونَ النُّفوسَ الزَّكِيَّةَ الطّاهِرَةَ عِترَةَ خَيرِ الأَنبِياءِ .
فَقالَ لَهُ عَزرَةُ بنُ قَيسٍ : إنَّكَ لَم تَكُن عِندَنا مِن شيعَةِ أهلِ البَيتِ ، إنَّما كُنتَ عُثمانِيّاً نَعرِفُكَ !
هؤُلاءِ فِي المُخاطَبَةِ ، وَالحُسَينُ عليه السلام مُفَكِّرٌ في أمرِ نَفسِهِ وأمرِ الحَربِ ، وَالعَبّاسُ عليه السلام واقِفٌ في حَضرَتِهِ .
قالَ : وأقبَلَ العَبّاسُ عليه السلام عَلَى القَومِ وهُم وُقوفٌ ، فَقالَ : يا هؤُلاءِ ، إنَّ أبا عَبدِ اللَّهِ يَسأَ لُكُمُ الاِنصِرافَ عَنهُ في هذَا اليَومِ حَتّى يَنظُرَ في هذَا الأَمرِ ، ثُمَّ يَلقاكُم غَداً إن شاءَ اللَّهُ تَعالى .
قالَ : فَخَبَّرَ القَومُ بِهذا أميرَهُم عُمَرَ بنَ سَعدٍ ، فَقالَ لِلشِّمرِ بنِ ذِي الجَوشَنِ : ما تَرى مِنَ الرَّأيِ ؟ فَقالَ : أرى رَأيَكَ أيُّهَا الأَميرُ ! فَقالَ عُمَرُ : إنَّني أحبَبتُ أن لا أكونَ أميراً ، قالَ : ثُمَّ إنّي اُكرِهتُ .
قالَ : وأقبَلَ عُمَرُ عَلى أصحابِهِ ، فَقالَ : مَا الَّذي عِندَكُم في هذَا الرَّأيِ ؟ فَقالَ رَجُلٌ مِن أصحابِهِ يُقالُ لَهُ عَمرُو بنُ الحَجّاجِ : سُبحانَ اللَّهِ العَظيمِ ! لَو كانوا مِنَ التُّركِ وَالدَّيلَمِ وسَأَلوا هذِهِ المَنزِلَةَ لَقَد كانَ حَقّاً عَلَينا أن نُجيبَهُم إلى ذلِكَ ، وكَيفَ وهُم آلُ الرَّسولِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله وأهلُهُ ؟!
فَقالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ : إنّا قَد أجَّلناهُم في يَومِنا هذا . قالَ : فَنادى رَجُلٌ مِن أصحابِ عُمَرَ : يا شيعَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ! قَد أجَّلناكُم يَومَكُم هذا إلى غَدٍ ، فَإِنِ استَسلَمتُم ونَزَلتُم عَلى حُكمِ الأَميرِ وَجَّهنا بِكُم إلَيهِ ، وإن أبَيتُم ناجَزناكُم .
قالَ : فَانصَرَفَ الفَريقانِ بَعضُهُم مِن بَعضٍ . ۲