789
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام

الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
788

۸۵۴.تاريخ الطبري عن الضحّاك المشرقيّ : كانَ مَعَ الحُسَينِ عليه السلام فَرَسٌ لَهُ يُدعى‏ لاحِقاً حَمَلَ عَلَيهِ ابنَهُ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ عليه السلام ، قالَ : فَلَمّا دَنا مِنهُ القَومُ عادَ بِراحِلَتِهِ فَرَكِبَها ، ثُمَّ نادى‏ بِأَعلى‏ صَوتِهِ دُعاءً يُسمِعُ جُلَّ النّاسِ :
أيُّهَا النّاسُ ! اِسمَعوا قَولي ، ولا تُعجِلوني حَتّى‏ أعِظَكُم بِما لِحَقٍّ لَكُم عَلَيَّ ، ۱ وحَتّى‏ أعتَذِرَ إلَيكُم مِن مَقدَمي عَلَيكُم ، فَإِن قَبِلتُم عُذري ، وصَدَّقتُم قَولي ، وأعطَيتُمونِي النَّصَفَ ، كُنتُم بِذلِكَ أسعَدَ ، ولَم يَكُن لَكُم عَلَيَّ سَبيلٌ ، وإن لَم تَقبَلوا مِنِّي العُذرَ ، ولَم تُعطُوا النَّصَفَ مِن أنفُسِكُم (فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَىَّ وَ لَا تُنظِرُونِ)۲ ، (إِنَّ وَلِيِّىَ اللَّهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّلِحِينَ)۳ .
قالَ : فَلَمّا سَمِعَ أخَواتُهُ كَلامَهُ هذا صِحنَ وبَكَينَ ، وبَكى‏ بَناتُهُ ، فَارتَفَعَت أصواتُهُنَّ ، فَأَرسَلَ إلَيهِنَّ أخاهُ العَبّاسَ بنَ عَلِيٍّ وعَلِيّاً عليهما السلام ابنَهُ ، وقالَ لَهُما: أسكِتاهُنَّ ، فَلَعَمري لَيَكثُرَنَّ بُكاؤُهُنَّ ... .
فَلَمّا سَكَتنَ حَمِدَ اللَّهَ وأثنى‏ عَلَيهِ ، وذَكَرَ اللَّهَ بِما هُوَ أهلُهُ ، وصَلّى‏ عَلى‏ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله وعَلى‏ مَلائِكَتِهِ وأنبِيائِهِ ، فَذَكَرَ مِن ذلِكَ مَا اللَّهُ أعلَمُ وما لا يُحصى‏ ذِكرُهُ .
قالَ : فَوَاللَّهِ ، ما سَمِعتُ مُتَكَلِّماً قَطُّ قَبلَهُ ولا بَعدَهُ أبلَغَ في مَنطِقٍ مِنهُ .
ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَانسُبوني فَانظُروا مَن أنَا ، ثُمَّ ارجِعوا إلى‏ أنفُسِكُم وعاتِبوها ، فَانظُروا هَل يَحِلُّ لَكُم قَتلي وَانتِهاكُ حُرمَتي ؟
ألَستُ ابنَ بِنتِ نَبِيِّكُم صلى اللَّه عليه وآله وَابنَ وَصِيِّهِ وَابنِ عَمِّهِ ، وأوَّلِ المُؤمِنينَ بِاللَّهِ وَالمُصَدِّقِ لِرَسولِهِ بِما جاءَ بِهِ مِن عِندِ رَبِّهِ ؟ أوَلَيسَ حَمزَةُ سَيِّدُ الشُّهَداءِ عَمَّ أبي ؟ أوَلَيسَ جَعفَرٌ الشَّهيدُ الطَّيّارُ ذُو الجَناحَينِ عَمّي ؟ أوَلَم يَبلُغكُم قَولٌ مُستَفيضٌ فيكُم : إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قالَ لي ولِأَخي : «هذانِ سَيِّدا شَبابِ أهِلِ الجَنَّةِ» ؟
فَإِن صَدَّقتُموني بِما أقولُ ، وهُوَ الحَقُّ ، فَوَاللَّهِ ، ما تَعَمَّدتُ كَذِباً مُذ عَلِمتُ أنَّ اللَّهَ يَمقُتُ عَلَيهِ أهلَهُ ، ويَضُرُّ بِهِ مَنِ اختَلَقَهُ ، وإن كَذَّبتُموني فَإِنَّ فيكُم مَن إن سَأَلتُموهُ عَن ذلِكَ أخبَرَكُم ، سَلوا جابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ الأَنصارِيَّ ، أو أبا سَعيدٍ الخُدرِيَّ ، أو سَهلَ بنَ سَعدٍ السّاعِدِيَّ ، أو زَيدَ بنَ أرقَمَ ، أو أنَسَ بنَ مالِكٍ ، يُخبِروكُم أنَّهُم سَمِعوا هذِهِ المَقالَةَ مِن رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لي ولِأَخي . أفَما في هذا حاجِزٌ لَكُم عَن سَفكِ دَمي ؟
فَقالَ لَهُ شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ : هُوَ يَعبُدُ اللَّهَ عَلى‏ حَرفٍ إن كانَ يَدري ما يَقولُ ! ۴
فَقالَ لَهُ حَبيبُ بنُ مُظاهِرٍ : وَاللَّهِ ، إنّي لَأَراكَ تَعبُدُ اللَّهَ عَلى‏ سَبعينَ حَرفاً ، وأنَا أشهَدُ أنَّكَ صادِقٌ ما تَدري ما يَقولُ ، قَد طَبَعَ اللَّهُ عَلى‏ قَلبِكَ .
ثُمَّ قالَ لَهُمُ الحُسَينُ عليه السلام : فَإِن كُنتُم في شَكٍّ مِن هذَا القَولِ أفَتَشُكّونَ أثَراً ما أنِّي ۵ ابنُ بِنتِ نَبِيِّكُم ! فَوَاللَّهِ ، ما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ابنُ بِنتِ نَبِيٍّ غَيري مِنكُم ولا مِن غَيرِكُم ، أنَا ابنُ بِنتِ نَبِيِّكُم خاصَّةً .
أخبِروني ، أتَطلُبُونّي بِقَتيلٍ مِنكُم قَتَلتُهُ ، أو مالٍ لَكُمُ استَهلَكتُهُ ، أو بِقِصاصٍ مِن جِراحَةٍ ؟ قالَ : فَأَخَذوا لا يُكَلِّمونَهُ ، قالَ : فَنادى‏ : يا شَبَثَ بنَ رِبعِيٍّ ، ويا حَجّارَ بنَ أبجَرَ ، ويا قَيسَ بنَ الأَشعَثِ ، ويا يَزيدَ بنَ الحارِثِ ، ألَم تَكتُبوا إلَيَّ : أن قَد أينَعَتِ ۶ الثِّمارُ ، وَاخضَرَّ الجَنابُ ، وطَمَّتِ ۷ الجِمامُ ۸
، وإنَّما تَقدَمُ عَلى‏ جُندٍ لَكَ مُجَنَّدٍ ، فَأَقبِل ؟
قالوا لَهُ : لَم نَفعَل ، فَقالَ : سُبحانَ اللَّهِ ! بَلى‏ وَاللَّهِ ، لَقَد فَعَلتُم .
ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إذ كَرِهتُموني فَدَعوني أنصَرِف عَنكُم إلى‏ مَأمَني مِنَ الأَرضِ .
قالَ : فَقالَ لَهُ قَيسُ بنُ الأَشعَثِ : أوَلا تَنزِلُ عَلى‏ حُكمِ بَني عَمِّكَ ؟ فَإِنَّهُم لَن يُروكَ إلّا ما تُحِبُّ ، ولَن يَصِلَ إلَيكَ مِنهُم مَكروهٌ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : أنتَ أخو أخيكَ ، ۹ أتُريدُ أن يَطلُبَكَ بَنو هاشِمٍ بِأَكثَرَ مِن دَمِ مُسلِمِ بنِ عَقيلٍ ؟ لا وَاللَّهِ ، لا اُعطيهِم بِيَدي إعطاءَ الذَّليلِ ، ولا اُقِرُّ إقرارَ العَبيدِ .
عِبادَ اللَّهِ ! إنّي عُذتُ بِرَبّي ورَبِّكُم أن تَرجُمونِ ، أعوذُ بِرَبّي ورَبِّكُم مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤمِنُ بِيَومِ الحِسابِ .
قالَ : ثُمَّ إنَّهُ أناخَ راحِلَتَهُ ، وأمَرَ عُقبَةَ بنَ سِمعانَ ، فَعَقَلَها ، وأقبَلوا يَزحَفونَ نَحوَهُ . ۱۰

1.هكذا في المصدر ، وفي بعض المصادر كالإرشاد وإعلام الورى وبحار الأنوار : «بما يحقّ لكم عليّ» ، وفي الكامل : «بما يجب لكم عليّ» وكلاهما أنسب للسياق .

2.يونس : ۷۱ .

3.الأعراف : ۱۹۶ .

4.في البداية والنهاية : «إن كنت أدري ما يقول» .

5.كذا في المصدر ، وفي الكامل في التاريخ : «أوَ تَشُكّون في أنّي...» .

6.يَنَعَ الثَّمَرُ : حان قطافه (القاموس المحيط : ج ۳ ص ۱۰۲ «ينع») .

7.طَمّ الماء : علا وغمر (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۳۷۰ «طمم») .

8.الجُمّة : هو المكان الذي يجتمع فيه ماؤه وجمعه جِمام (تاج العروس : ج ۱۶ ص ۱۱۷ «جمم») .

9.هذه إشارة من الإمام عليه السلام إلى محمّد بن الأشعث أخي «قيس» الذي شارك في استشهاد مسلم عليه السلام .

10.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۲۴ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۶۱ ، البداية والنهاية : ج ۸ ص ۱۷۸ ؛ الإرشاد : ج ۲ ص ۹۷ ، إعلام الورى : ج ۱ ص ۴۵۸ وفيهما «لا أفرّ فرار» بدل «أقرّ إقرار» وكلّها نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۶ وراجع : أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۹۶ والمنتظم : ج ۵ ص ۳۳۹ وتذكرة الخواصّ : ص ۲۵۱ .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
عدد المشاهدين : 371534
الصفحه من 850
طباعه  ارسل الي