۸۵۶.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : تَقَدَّمَ الحُسَينُ عليه السلام حَتّى وَقَفَ قُبالَةَ القَومِ ، وجَعَلَ يَنظُرُ إلى صُفوفِهِم كَأَنَّهَا السَّيلُ ، ونَظَرَ إلَى ابنِ سَعدٍ واقِفاً في صَناديدِ ۱ الكوفَةِ ، فَقالَ :
الحَمدُ للَّهِِ الَّذي خَلَقَ الدُّنيا فَجَعَلَها دارَ فَناءٍ وزَوالٍ ، مُتَصَرِّفَةً بِأَهلِها حالاً بَعدَ حالٍ ، فَالمَغرورُ مَن غَرَّتهُ ، وَالشَّقِيُّ مَن فَتَنَتهُ ، فَلا تَغُرَّنَّكُم هذِهِ الدُّنيا ؛ فَإِنَّها تَقطَعُ رَجاءَ مَن رَكَنَ إلَيها ، وتُخَيِّبُ طَمَعَ مَن طَمِعَ فيها ، وأراكُم قَدِ اجتَمَعتُم عَلى أمرٍ قَد أسخَطتُمُ اللَّهَ فيهِ عَلَيكُم ، فَأَعرَضَ بِوَجهِهِ الكَريمِ عَنكُم ، وأحَلَّ بِكُم نَقِمَتَهُ ، وجَنَّبَكُم رَحمَتَهُ ؛ فَنِعمَ الرَّبُّ رَبُّنا ، وبِئسَ العَبيدُ أنتُم ، أقرَرتُم بِالطّاعَةِ ، وآمَنتُم بِالرَّسولِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ إنَّكُم زَحَفتُم إلى ذُرِّيَّتِهِ تُريدونَ قَتلَهُم! لَقَدِ استَحوَذَ ۲ عَلَيكُمُ الشَّيطانُ ، فَأَنساكُم ذِكرَ اللَّهِ العَظيمِ ، فَتَبّاً لَكُم ولِما ۳ تُريدونَ ؛ إنّا للَّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، هؤُلاءِ قَومٌ كَفَروا بَعدَ إيمانِهِم ؛ فَبُعداً لِلقَومِ الظّالِمينَ .
فَقالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ : وَيلَكُم كَلِّموهُ فَإِنَّهُ ابنُ أبيهِ ، وَاللَّهِ ، لَو وَقَفَ فيكُم هكَذا يَوماً جَديداً لَما قَطَعَ ولَما حَصَرَ ، فَكَلِّموهُ ، فَتَقَدَّمَ إلَيهِ شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ ، فَقالَ : يا حُسَينُ ، ما هذَا الَّذي تَقولُ ؟ أفهِمنا حَتّى نَفهَمَ ؟
فَقالَ عليه السلام : أقولُ لَكُم : اِتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُم ولا تَقتُلونِ ؛ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكُم قَتلي ولَا انتِهاكُ حُرمَتي ، فَإِنِّي ابنُ بِنتِ نَبِيِّكُم ، وجَدَّتي خَديجَةُ زَوجَةُ نَبِيِّكُم ؛ ولَعَلَّهُ قَد بَلَغَكُم قَولُ نَبِيِّكُم مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله: الحَسَنُ وَالحُسَينُ سَيِّدا شَبابِ أهلِالجَنَّةِ ما خَلَا النَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ، فَإن صَدَّقتُموني بِما أقولُ ، وهُوَ الحَقُّ ، فَوَاللَّهِ ما تَعَمَّدتُ كَذِباً مُنذُ عَلِمتُ أنَّ اللَّهَ يَمقُتُ عَلَيهِ أهلَهُ ، وإن كَذَّبتُموني فَإِنَّ فيكُم مِنَ الصَّحابَةِ مِثلَ : جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ ، وسَهلِ بنِ سَعدٍ ، وزَيدِ بنِ أرقَمَ ، وأنَسِ بنِ مالِكٍ ، فَاسأَلوهُم عَن هذا ؛ فَإِنَّهُم يُخبِرونَكُم أنَّهُم سَمِعوهُ مِن رَسولِ اللَّهِ ، فَإِن كُنتُم في شَكٍّ مِن أمري ، أفَتَشُكّونَ أنِّي ابنُ بِنتِ نَبِيِّكُم ، فَوَاللَّهِ ، ما بَينَ المَشرِقَينِ وَالمَغرِبَينِ ابنُ بِنتِ نَبِيٍّ غَيري .
وَيلَكُم ! أتَطلُبُونّي بِدَمِ أحَدٍ مِنكُم قَتَلتُهُ ، أو بِمالٍ استَملَكتُهُ ، أو بِقِصاصٍ مِن جِراحاتٍ استَهلَكتُهُ ؟ فَسَكَتوا عَنهُ لا يُجيبونَهُ .
ثُمَّ قالَ عليه السلام : وَاللَّهِ ، لا اُعطيهِم يَدي إعطاءَ الذَّليلِ ، ولا أفِرُّ فِرارَ العَبيدِ .
عِبادَ اللَّهِ ! إنّي عُذتُ بِرَبّي ورَبِّكُم أن تَرجُمونِ ، وأعوذُ بِرَبّي ورَبِّكُم مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤمِنُ بِيَومِ الحِسابِ .
فَقالَ لَهُ شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ : يا حُسَينَ بنَ عَلِيٍّ ، أنَا أعبُدُ اللَّهَ عَلى حَرفٍ إن كُنتُ أدري ما تَقولُ ، فَسَكَتَ الحُسَينُ عليه السلام .
فَقالَ حَبيبُ بنُ مُظاهِرٍ لِلشِّمرِ : يا عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّ رَسولِ اللَّهِ ، إنّي لَأَظُنُّكَ تَعبُدُ اللَّهَ عَلى سَبعينَ حَرفاً ، وأنَا أشهَدُ أنَّكَ لا تَدري ما يَقولُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ و تَعالى قَد طَبَعَ عَلى قَلبِكَ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : حَسبُكَ يا أخا بَني أسَدٍ ، فَقَد قُضِيَ القَضاءُ ، وجَفَّ القَلمُ ، وَاللَّهُ بالِغٌ أمرَهُ ، وَاللَّهِ ، إنّي لَأَشوَقُ إلى جَدّي وأبي واُمّي وأخي وأسلافي مِن يَعقوبَ إلى يوسُفَ وأخيهِ ، ولي مَصرَعٌ أنَا لاقيهِ . ۴
1.صناديد القوم : أشرافهم وعظماؤهم ورؤساؤهم (النهاية : ج ۳ ص ۵۵ «صند») .
2.استحوذ عليهم الشيطان : أي استولى عليهم وحواهم إليه (النهاية : ج ۱ ص ۴۵۷ «حوذ») .
3.في المصدر : «وما» ، والأصحّ ما أثبتناه كما في بحارالأنوار : ج ۴۵ ص ۶ .
4.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: ج۱ ص۲۵۲ وراجع : مثيرالأحزان: ص۵۱ وكشف الغمّة: ج۲ ص۲۲۵ وص۲۶۷ والمناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۱۰۰ .