استحالة معرفة النفس لاستحالة الإحاطة العلميّة باللَّه سبحانه . ورُدّ أوّلاً : بقوله صلى اللَّه عليه وآله في رواية اُخرى : «أعرَفُكُم بنَفسِهِ أعرَفُكُم بِربِّهِ»، وثانياً : بأن الحديث في معنى عكس النقيض لقوله تعالى : (ولا تَكونوا كَالّذينَ نَسُوا اللَّهَ فَأنساهُم أنفُسَهُم) .۱
وفيه عنه عليه السلام : قال : الكَيِّسُ مَن عَرَفَ نَفسَهُ وأخلَصَ أعمالَهُ .
أقول : تقدم في البيان السابق معنَى ارتباط الإخلاص وتفرّعه على الاشتغال بمعرفة النفس .
وفيه عنه عليه السلام قال : المَعرِفَةُ بِالنَّفسِ أنفَعُ المَعرِفَتَينِ .
الظاهر أنّ المراد بالمعرفتَين المعرفة بالآيات الأنفُسيّة والمعرفة بالآيات الآفاقيّة ، قال تعالى : (سَنُريهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفي أَنفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أ نَّهُ الحَقُّ أوَلَم يَكْفِ بِرَبِّكَ أ نَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهيدٌ)۲ وقال تعالى : (وفي الأَرضِ آياتٌ لِلمُوقِنينَ * وفي أنفُسِكُم أفلا تُبصِرونَ) .۳
وكونُ السَّير الأنفُسيّ أنفع من السير الآفاقيّ لعلّه لِكون المعرفة النَّفسانيّة لا تنفكّ عادةً من إصلاح أوصافها وأعمالها، بخلاف المعرفة الآفاقيّة؛ وذلك أنّ كون معرفة الآيات نافعة إنّما هو لأنّ معرفة الآيات بما هي آيات موصلة إلى معرفة اللَّه سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله ، ككونه تعالى حيّاً لا يَعرضه موت ، وقادراً لا يَشوبه عجز ، وعالماً لا يخالطه جهل ، وأ نّه تعالى هو الخالق لكلّ شيء ، والمالك لكلّ شيء ، والربّ القائم على كلّ نفس بما كسبت ، خلق الخلق لا لحاجة منه إليهم ، بل لينعم عليهم بما استحقّوه ، ثمّ يجمعهم ليوم الجمع لا ريب فيه ؛ ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .
وهذه وأمثالها معارف حقّة إذا تناولها الإنسان وأتقنها مثّلت له حقيقة حياته ، وأ نّها حياة مؤبَّدة ذات سعادة دائمة أو شِقوة لازمة ، وليست بتلك المتهوّسة المنقطعة اللاهية اللاغية ،