مَعرِفةُ النَّفس‏ - الصفحه 12

غيرها انقطع إلى‏ ربّه من كلّ شي‏ء ، وعقب ذلك معرفة ربّه معرفة بلا توسيط وسط ، وعلماً بلا تسبيب سبب ؛ إذ الانقطاع يرفع كلّ حجاب مضروب ، وعند ذلك يذهل الإنسان بمشاهدة ساحة العظمة والكبرياء عن نفسه ، وأحرى‏ بهذه المعرفة أن تُسمّى‏ معرفة اللَّه باللَّه .
وانكشف له عند ذلك من حقيقة نفسه أ نّها الفقيرة إلى اللَّه سبحانه ، المملوكة له ملكاً لا تستقلّ بشي‏ء دونه ، وهذا هو المراد بقوله عليه السلام : تَعرِفُ نَفسَكَ بهِ ، ولا تَعرِفُ نَفسَكَ بِنَفسِكَ مِن نَفسِكَ ، وتَعلَمُ أنّ ما فيه لَهُ وبهِ .
وفي هذا المعنى‏ ما رواه المسعوديّ في «إثبات الوصيّة» عن أمير المؤمنين عليه السلام، قالَ في خطبةٍ لَهُ : فسُبحانَكَ مَلَأْتَ كُلَّ شَي‏ءٍ وبايَنتَ كُلَّ شَي‏ءٍ فأنتَ لا يَفقِدُكَ شَي‏ءٌ وأنتَ الفَعّالُ لِما تَشاءُ . تَبارَكتَ يا مَن كُلُّ مُدرَكٍ مِن خَلقِهِ ، وكُلُّ مَحدودٍ مِن صُنعِهِ - إلى‏ أن قال - سُبحانَكَ أيُّ عَينٍ تَقومُ نَصبَ بَهاءِ نورِكَ ، وتَرقى‏ إلى‏ نورِ ضِياءِ قُدرَتِكَ ؟! وأيُّ فَهمٍ يَفهَمُ ما دونَ ذلكَ ؟! إلّا أبصارٌ كَشَفتَ عَنها الأغطِيةَ ، وهَتَكتَ عَنها الحُجُبَ العَمِيَةَ ، فَرَقَتْ أرواحُها عَلى‏ أطرافِ أجنِحَةِ الأرواحِ ، فناجَوكَ في أركانِكَ ، ووَلَجوا بَينَ أنوارِ بَهائكَ ، ونَظَروا مِن مُرتَقى‏ التُّربَةِ إلى‏ مُستوَى‏ كِبرِيائكَ ، فَسمّاهُم أهلُ المَلَكوتِ زُوّاراً ، ودَعاهُم أهلُ الجَبَروتِ عُمّاراً .
وفي «بحار الأنوار» عن «إرشاد الدَّيلميِّ» - وذكر بعد ذلك سنَدَين لهذا الحديث - وفيه : فمَن عَمِلَ بِرِضائي اُلزِمْهُ ثَلاثَ خِصالٍ : اُعَرِّفُهُ‏شُكراً لا يُخالِطُهُ الجَهلُ ، وذِكراً لا يُخالِطُهُ النِّسيانُ، ومَحَبَةً لا يُؤْثِرُ عَلى‏ مَحَبَّتي مَحَبَّةَ المَخلوقينَ، فإذا أحَبَّني أحبَبتُهُ، وأفتَحُ عَينَ قَلبِهِ إلى‏ جَلالي ، ولا اُخفي عَلَيهِ خاصَّةَ خَلقي ، واُناجيهِ في ظُلَمِ اللَّيلِ ونورِ النَّهارِ حتّى‏ يَنقَطِعَ حَديثُهُ مَعَ المَخلوقينَ ومُجالَسَتُهُ مَعَهُم ، واُسمِعُهُ كَلامي وكَلامَ مَلائكَتي ، واُعَرِّفُهُ السِّرَّ الّذي سَتَرتُهُ عَن خَلقي ،

الصفحه من 14