مَعرِفةُ النَّفس‏ - الصفحه 9

وهذه المعرفة الأحرى‏ بها أن تُسمّى‏ «معرفة اللَّه باللَّه» ، وأمّا المعرفة الفكريّة التي يفيدها النظر في الآيات الآفاقيّة سواء حصلت من قياس أو حدس أو غير ذلك فإنّما هي معرفة بصورة ذهنيّة عن صورة ذهنيّة ، وجلّ الإله أن يحيط به ذهن أو تساوي ذاته صورة مختلقة اختلقها خلق من خلقه ، ولا يحيطون به علماً .
وقد روي في «الإرشاد» و«الاحتجاج» على‏ ما في بحارالأنوار عن الشِّعبيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له : إنَّ اللَّهَ أجلُّ مِن أن يَحتَجِبَ عن شَي‏ءٍ أو يَحتَجِبَ عَنهُ شَي‏ءٌ .۱ وفي «التوحيد» عن موسى بن جَعفَرٍ عليه السلام في كَلامٍ لَهُ : لَيسَ بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ حِجابٌ غَيرَ خَلقِهِ ، احتَجَبَ بِغَيرِ حِجابٍ مَحجوبٍ ، واستَتَرَ بِغَيرِ سِترٍ مَستورٍ ، لا إلهَ إلّا هُوَ الكَبيرُ المُتَعالِ . وفي «التوحيد» مسنداً عن عبدِ الأعلى‏ عن الصادق عليه السلام في حديث: ومَن زَعَمَ أ نَّهُ يَعرِفُ اللَّهَ بِحِجابٍ أو بِصورةٍ أو بِمِثالٍ فهُوَ مُشرِكٌ ؛ لأنَّ الحِجابَ والصورَةَ والمِثالَ غَيرُهُ ، وإنَّما هُوَ واحِدٌ مُوَحَّدٌ ، فكَيفَ يُوَحِّدُ مَن زَعَمَ أ نَّهُ يُوَحِّدُهُ بِغَيرِهِ ؟! إنَّما عَرَفَ اللَّهَ مَن عرَفَهُ باللَّهِ ، فمَن لم يَعرِفْهُ بهِ فليسَ يَعرِفُهُ ، إنّما يَعرِفُ غَيرَهُ ... الحديث . والأخبار المأثورة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في معنى‏ ما قدّمناه كثيرة جدّاً لعلّ اللَّه يوفّقنا لإيرادها وشرحها فيما سيأتي إن شاء اللَّه العزيز من تفسير سورة الأعراف.
فقد تحصّل أنّ النظر في آيات الأنفُس أنفَس وأغلى‏ قيمة وأ نّه هو المُنتج لحقيقة المعرفة فحسب ، وعلى‏ هذا فعَدُّه عليه السلام إيّاها أنفعَ المعرفتَينِ لا معرفة متعيّنة إنّما هو لأنّ العامّة من الناس قاصرون عن نيلها . وقد أطبق الكتاب والسنّة وجرت السيرة الطاهرة النبويّة وسيرة أهل بيته الطاهرين على‏ قبول من آمن باللَّه عن نظر آفاقيّ وهو النظر الشائع بين المؤمنين ، فالطريقان نافعان جميعاً ، لكنّ النفع في طريق النفس أتمّ وأغزر .

1.الاحتجاج : ۱/۳۱۳/۱۲۵ .

الصفحه من 14