وهذا هو الذي نسمّيه غاية الفاعل في فعله وغرضه من فعله . وقد قطعت الأبحاث الفلسفيّة أنّ الفعل بمعنى الأثر الصادر عن الفاعل إراديّاً كان أو غير إراديّ لا يخلو من غاية .
وكون الفعل مشتملاً على جهة الخيريّة المترتّبة على تحقّقه هو المسمّى بمصلحة الفعل ، فالمصلحة التي يَعدّها العقلاء - وهم أهل الاجتماع الإنسانيّ - مصلحةً هي الباعثة للفاعل على فعله ، وهي سبب إتقان الفعل الموجب لعدّ الفاعل حكيماً في فعله ، ولولاها لكان الفعل لغواً لا أثر له .
ومن الضروريّ أنّ المصلحة المترتّبة على الفعل لا وجود لها قبل وجود الفعل ، فكونها باعثة للفاعل نحو الفعل داعية له إليه إنّما هو بوجودها علماً لا بوجودها خارجاً ؛ بمعنى أنّ الواحد منّا عنده صورة علميّة مأخوذة من النظام الخارجيّ بما فيه من القوانين الكلّيّة الجارية والاُصول المنتظمة الحاكمة بانسياق الحركات إلى غاياتها والأفعال إلى أغراضها وما تحصّل عنده بالتجربة من روابط الأشياء بعضها مع بعض ، ولا ريب أنّ هذا النظام العلميّ تابع للنظام الخارجيّ مترتّب عليه .
وشأن الفاعل الإراديّ منّا أن يطبّق حركاته الخاصّة المسمّاة فعلاً على ما عنده من النظام العلميّ ، ويراعي المصالح المتقرّرة فيه في فعله ببناء إرادته عليها ؛ فإن أصاب في تطبيقه الفعل على العلم كان حكيماً في فعله متقناً في عمله ، وإن أخطأ في انطباق العلم على المعلوم الخارجيّ وإن لم يصب لقصور أو تقصير لم يُسمَّ حكيماً ، بل لاغِياً وجاهلاً ونحوهما .
فالحكمة صفة الفاعل من جهة انطباق فعله على النظام العلميّ المنطبق على النظام الخارجيّ ، واشتمال فعله علَى المصلحة هو ترتّبه على الصورة العلميّة المترتّبة علىالخارج، فالحكمة بالحقيقة