والآية الكريمة إنّما تنفي الآلهة من دون اللَّه فيالسماء والأرض بهذا المعنى ، لا بمعنى الصانع الموجِد الذي لا قائل بتعدّده . والمراد بكون الإله في السماء والأرض تعلّق اُلوهيّته بالسماء والأرض لاسُكناه فيهما ، فهو كقوله تعالى : (هُوَ الَّذي في السَّماءِ إلهٌ وَفي الأرْضِ إلهٌ) .۱
وتقرير حجّة الآية : أ نّه لو فُرض للعالَم آلهة فوق الواحد لكانوا مختلفين ذاتاً متباينين حقيقةً ، وتباين حقائقهم يقضي بتباين تدبيرهم ، فيتفاسد التدبيرات وتفسد السماء والأرض ، لكنّ النظام الجاري نظام واحد متلائم الأجزاء في غاياتها ، فليس للعالم آلهة فوق الواحد ، وهو المطلوب .
فإن قلت : يكفي في تحقّق الفساد ما نشاهده من تَزاحُم الأسباب والعلل ، وتزاحمها في تأثيرها في الموادّ هو التفاسد .
قلت : تفاسد العلّتين تحت تدبيرَين غير تفاسدهما تحت تدبير واحد ، ليحدّد بعضٌ أثر بعض وينتج الحاصل من ذلك ، وما يوجد من تزاحم العلل في النظام من هذا القبيل ؛ فإنّ العلل والأسباب الراسمة لهذا النظام العامّ على اختلافها وتمانُعها وتزاحُمها لا يُبطِل بعضُها فعّاليّة بعض ؛ بمعنى أن ينتقض بعض القوانين الكلّيّة الحاكمة في النظام ببعض ، فيتخلّف عن مورده مع اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع ، فهذا هو المراد من إفساد مدبّر عمل مدبّر آخر ، بل السببان المختلفان المُتنازعان حالهما في تنازعهما حال كفّتَي الميزان المتنازعتَين بالارتفاع والانخفاض ، فإنّهما في عَين اختلافهما متّحدان في تحصيل مايريده صاحب الميزان ، ويخدمانه في سبيل غرضه وهو تعديل الوزن بواسطة اللسان .
فإن قلت : آثار العلم والشعور مشهودة في النظام الجاري في الكون ،