مَعرِفةُ اللَّهِ‏ - الصفحه 19

فالربّ المدبّر له يدبّره عن علم ، وإذا كان كذلك فلِمَ لا يجوز أن يفرض هناك آلهة فوق الواحد يدبّرون أمر الكون تدبيراً تعقّليّاً ، وقد توافقوا على‏ أن لا يختلفوا ولا يتمانعوا في تدبيرهم حفظاً للمصلحة ؟ !
قلت : هذا غير معقول ؛ فإنّ معنى التدبير التعقّليّ عندنا هو أن نطبّق أفعالنا الصادرة منّا على ما تقتضيه القوانين العقليّة الحافظة لتلائم أجزاء الفعل وانسياقه إلى‏ غايته ، وهذه القوانين العقليّة مأخوذة من الحقائق الخارجيّة والنظام الجاري فيها الحاكم عليها ، فأفعالنا التعقّليّة تابعة للقوانين العقليّة وهي تابعة للنظام الخارجيّ ، لكنّ الربّ المدبّر للكون فِعلُه نفس النظام الخارجيّ المتبوع للقوانين العقليّة ، فمن المحال أن يكون فعله تابعاً للقوانين العقليّة وهو متبوع ، فافهم ذلك.
فهذا تقرير حجّة الآية ، وهي حجّة برهانيّة مؤلّفة من مقدّمات يقينيّة تدلّ على‏ أنّ التدبير العامّ الجاري - بما يشتمل عليه ويتألّف منه من التدابير الخاصّة - صادر عن مبدأ واحد غير مختلف ، لكنّ المفسّرين قرّروها حجّة على‏ نفي تعدّد الصانع واختلفوا في تقريرها ، وربّما أضاف بعضهم إليها من المقدّمات ما هو خارج عن منطوق الآية ، وخاضوا فيها حتّى‏ قال القائل منهم : إنّها حجّة إقناعيّة غير برهانيّة اُورِدَت إقناعاً للعامّة .۱

۱۲۴۸۰.تفسير القمّي : ثُمّ رَدَّ اللَّهُ عَلَى الثَّنَويَّةِ الّذينَ قالوا بِإلهَينِ فقالَ اللَّهُ تَعالى‏: (ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِن إلهٍ ...) قالَ : لَو كانا إلهَينِ كَما زَعَمتُم لَكانا يَختِلفان ؛ فيَخلُقُ هذا ولا يَخلُقُ هذا، ويُريدُ هذا ولا يُريدُ هذا، ويَطلبُ كلُّ واحدٍ مِنهما الغَلَبَةَ، وإذا أرادَ أحدُهُما خَلْقَ إنسانٍ أرادَ الآخرُ خَلْقَ بَهيمَةٍ، فيكونُ إنساناً وبَهيمةً في حالَةٍ واحِدَةٍ ، وهذا غيرُ مَوجودٍ، فَلَمّا بَطُلَ هذا ثَبَتَ التَّدبيرُ والصِنعُ لِواحدٍ، ودَلَّ أيضاً

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۴/۲۶۶ - ۲۶۸ .

الصفحه من 60