العقل‏ - الصفحه 15

الإنسان عليه من إدراك الحقّ والباطل في النظريّات ، والخير والشرّ والمنافع والمضارّ في‏العمليّات حيث خلقه اللَّه سبحانه خِلقة يدرك نفسه في أوّل وجوده ، ثمّ جهّزه بحواسّ ظاهرة يدرك بها ظواهر الأشياء ، وباُخرى‏ باطنة يدرك معاني روحيّة بها ترتبط نفسه مع الأشياء الخارجة عنها كالإرادة والحبّ والبغض والرجاء والخوف ونحو ذلك ، ثمّ يتصرّف فيها بالترتيب والتفصيل والتخصيص والتعميم ، فيقضي فيها في النظريّات والاُمور الخارجة عن مرحلة العمل قضاءً نظريّاً ، وفي العمليّات والاُمور المربوطة بالعمل قضاءً عمليّاً ، كلّ ذلك جرياً علَى المجرى الذي تشخّصه له فطرته الأصليّة ، وهذا هو العقل.
لكن ربّما تسلّط بعض القوى‏ علَى الإنسان بغَلَبته على‏ سائر القوى‏ كالشهوة والغضب فأبطل حكم الباقي أو ضعّفه ، فخرج الإنسان بها عن صراط الاعتدال إلى‏ أودية الإفراط والتفريط ، فلم يعمل هذا العامل العقليّ فيه على‏ سلامته ، كالقاضي الذي يقضي بمدارك أو شهادات كاذبة منحرفة محرّفة ، فإنّه يَحيد في قضائه عن الحقّ وإن قضى‏ غيرَ قاصد للباطل ، فهو قاض وليس بقاض ، كذلك الإنسان يقضي في مواطن المعلومات الباطلة بما يقضي ، وإنّه وإن سمّي عمله ذلك عقلاً بنحو من المسامحة ، لكنّه ليس بعقل حقيقةً لخروج الإنسان عند ذلك عن سلامة الفطرة وسَنَن الصواب .
وعلى‏ هذا جرى كلامه تعالى‏ ، فإنّه يعرف العقل بما ينتفع به الإنسان في دينه ويركب به هداه إلى‏ حقائق المعارف وصالح العمل ، وإذا لم يَجرِ على‏ هذا المجرى‏ فلا يسمّى عقلاً ، وإن عمل في الخير والشرّ الدنيويّ فقط ، قال تعالى‏ : (وَقالوا لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أو نَعْقِلُ ما كُنّا في أصْحابِ السَّعيرِ)۱ وقال تعالى‏ : (أفَلَمْ يَسيروا في الأرْضِ فَتَكونَ لَهُمْ قُلوبٌ يَعْقِلونَ بِها أو آذانٌ يَسْمَعونَ بِها فإنَّها لا تَعْمى‏ الأبْصارُ ولكِنْ تَعمَى القُلوبُ الَّتي في الصُّدورِ)۲ ، فالآيات كما ترى‏

1.الملك : ۱۰ .

2.الحجّ : ۴۶ .

الصفحه من 34