العمل - الصفحه 6

ومن هنا يظهر أنّ الرابطة بين العمل والجزاء رابطة جَعليّة وضعيّة من المجتمع أو من وليّ الأمر ، دعاهم إلى‏ هذا الجعل حاجتُهم الشديدة إلى العمل ليستفيدوا منه ويرفعوا به الحاجة ويسدّوا به الخلّة ، ولذلك تراهم إذا استغنَوا وارتفعت حاجتهم إلى العمل ساهلوا فِي الوفاء على‏ ما تعهّدوا به من ثواب وعقاب .
ولذلك أيضاً ترى الجزاء يختلف كثرةً وقلةً والأجر يتفاوت شدّةً وضعفاً باختلاف الحاجة إلى العمل ، فكلّما زادت الحاجة زاد الأجر وكلّما نقصت نقص ، فالآمر والمأمور والمكلِّف والمكلَّف بمنزلة البائع والمشتري ؛ كلّ منهما يعطي شيئاً ويأخذ شيئاً ، والأجر والثواب بمنزلة الثمن ، والعقاب بمنزلة الدرك على‏ من أتلف شيئاً فضمن قيمته واستقرّت في ذمّته.
وبالجملة : فهو أمر وضعيّ اعتباريّ نظير سائر العناوين والأحكام والموازين الاجتماعيّة التي يدور عليها رَحى الاجتماع الإنسانيّ كالرئاسة والمرؤوسيّة والأمر والنهي والطاعة والمعصية والوجوب والحرمة والملك والمال والبيع والشراء وغير ذلك ، وإنّما الحقائق هي الموجودات الخارجيّة والحوادث المكتنفة بها - التي لا تختلف حالها بغنى وفقر وعزّ وذلّ ومدح وذمّ - كالأرض وما يخرج منها والموت والحياة والصحّة والمرض والجوع والشبع والظمأ والريّ.
فهذا ما عند العقلاء من أهل الاجتماع ، واللَّه سبحانه جارانا في كلامه مُجاراةَ بعضنا بعضاً ، فقَلبَ سعادتنا التي يهدينا إليها بدينه في قالب السنن الاجتماعيّة ، فأمرَ ونهى‏ ، ورغّب وحذّر ، وبشّر وأنذر ، ووعد بالثواب وأوعد بالعقاب ، فصرنا نتلقّى الدِّين على أسهل الوجوه التي نتلقّى بها السُّننَ والقوانين الاجتماعيّة ، قال تعالى‏ : (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُم وَرَحْمَتُهُ ما زَكى‏ مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَداً) .۱

1.النور : ۲۱ .

الصفحه من 20