العمل - الصفحه 7

ولم يهمل سبحانه أمر تعليم النفوس المستعدّة لإدراك الحقائق ، فأشار في آيات من كلامه إلى‏ أنّ وراء هذه المعارف الدينيّة التي تشتمل عليها ظواهر الكتاب والسنّة أمراً هو أعظم ، وسرّاً هو أنفَس وأبهى‏ ، فقال تعالى‏ : (وَما هذِهِ الحَياةُ الدُّنْيا إلّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وإنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ)۱فعَدّ الحياة الدنيا لعباً لا بِنيَةَ له إلّا الخيال ، ولا شأن له إلّا أن يشغل الإنسان عمّا يهمّه ، وهي الدار الآخرة وسعادة الإنسان الدائمة التي لها حقيقة الحياة . والمراد بالحياة الدنيا إن كان هو عين مانسمّيه حياة - دون ما يلحق بها من الشؤون الحيويّة من مال وجاه وملك وعزّة وكرامة ونحوها - فكونها لعباً ولهواً مع ما نراها من الحقائق يستلزم كون الشؤون الحيويّة لعباً ولهواً بطريق أولى‏ ، وإن كان المراد الحياة الدنيويّة بجميع لواحقها فالأمر أوضح .
فهذه السُّنن الاجتماعيّة والمقاصد التي يطلب بها من عزّ وجاه ومال وغيرها ، ثمّ الذي يشتمل عليه التعليم الدينيّ ، من موادّ ومقاصد هدانا اللَّه سبحانه إليها بالفطرة ثمّ بالرسالة ، مَثَلها كمَثَل اللعب الذي يضعه الوليّ المربّي العاقل للطفل الصغير الذي لا يميز صلاحه من فساده وخيره من شرّه ثمّ يجاريه فيه ليروّض بدنه ويروّح ذهنه ويهيّئه لنظام العمل وابتغاء الفوز به ، فالذي يقع من العمل اللعبيّ هو من الصبيّ لعب جميل يهديه إلى‏ حدّ العمل ، ومن الولي حكمة وعمل جدّيّ ليس من اللعب في شي‏ء .
وقال تعالى‏ : (وَما خَلَقْنا السَّماواتِ وَالأرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبينَ * ما خَلَقْناهُما إلّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمونَ)۲ والآية قريبة المضمون من الآية السابقة .
ثمّ شرح تعالى‏ كيفيّة تأدية هذه التربية الصوريّة إلى‏ مقاصدها المعنويّة

1.العنكبوت : ۶۴ .

2.الدخان : ۳۸ ، ۳۹ .

الصفحه من 20