وقوله : (وأ نَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ) معطوف على سابقه كسابقه ، والمراد أنّ ما ذكرناه بسبب أنّ اللَّه على كلّ شيء قدير ؛ وذلك أنّ إيجاد الإنسان والنبات وتدبير أمرهما فِي الحدوث والبقاء مرتبط بما فِي الكون من وجود أو نظام جارٍ فِي الوجود ، وكما أنّ إيجادهما وتدبير أمرهما لا يتمّ إلّا مع القدرة عليهما كذلك القدرة عليهما لا تتمّ إلّا مع القدرة على كلّ شيء ، فخلقهما وتدبير أمرهما بسبب عموم القدرة . وإن شئت فقل : ذلك يكشف عن عموم القدرة .
قوله تعالى : (وَأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فيها وَأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن في القُبورِ) الجملتان معطوفتان على «أنّ» في قوله : (ذلِكَ بِأنَّ اللَّهَ) .
وأمّا الوجه في اختصاص هذه النتائج الخمس المذكورة في الآيتين بالذكر ، مع أنّ بيان السابقة ينتج نتائج اُخرى مهمّة في أبواب التوحيد كربوبيّته تعالى ونفي شركاء العبادة وكونه تعالى عليماً ومنعماً وجواداً وغير ذلك . فالذي يعطيه السياق - والمقام مقام إثبات البعث ، وعرض هذه الآيات على سائر الآيات المثبتة للبعث - أنّ الآية تؤمّ إثبات البعث من طريق إثبات كونه تعالى حقّاً على الإطلاق ؛ فإنّ الحقّ المحض لا يصدر عنه إلّا الفعل الحقّ دون الباطل ، ولو لم يكن هناك نشأة اُخرى يعيش فيها الإنسان بماله من سعادة أو شقاء ، واقتصر فِي الخلقة على الإيجاد ثمّ الإعدام ثمّ الإيجاد ثمّ الإعدام وهكذا ، كان لعباً باطلاً ، فكونه تعالى حقّاً لا يفعل إلّا الحقّ يستلزم نشأة البعث استلزاماً بيّناً ، فإنّ هذه الحياة الدنيا تنقطع بالموت، فبعدها حياة اُخرى باقية لامحالة.
فالآية - أعني قوله : (فَإنّا خَلَقْناكُم مِن تُرابٍ - إلى قوله - ذلكَ بأنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ) - في مجرى قوله : (وَما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبينَ * ما