(أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأرْضَ قادِرٌ عَلَى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأبَى الظَّالِمُونَ إلَّا كُفُوراً) .۱
(انظر) يس : 81 .
التّفسير :
قوله تعالى : (أوَلَمْ يَرَوا أنَّ اللَّهَ الّذي خَلَقَ السّماواتِ وَالأرْضَ قادِرٌ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثلَهُمْ ...) إلى آخر الآية ، احتجاج منه تعالى على البعث بعد الموت ، فقد كان قولهم : (ءَإذا كُنّا عِظاماً وَرُفاتاً ءَإنّا لَمَبعوثونَ خَلْقاً جَديداً)۲ استبعاداً مبنيّاً على إحالة أن يعود هذا البدن الدنيويّ - بعد تلاشيه وصيرورته عظاماً ورُفاتاً - إلى ما كان عليه بخلق جديد ، فاحتجّ عليهم بأنّ خلق البدن أوّلاً يثبت القدرة عليه وعلى مثله الذي هو الخلق الجديد للبعث ، فحكم الأمثال واحد .
فالمُماثلة إنّما هي من جهة مقايسة البدن الجديد من البدن الأوّل مع قطع النظر عن النفس التي هي الحافظة لوحدة الإنسان وشخصيّته ، ولا ينافي ذلك كون الإنسان الاُخرويّ عينَ الإنسان الدنيويّ لا مثله ؛ لأنّ مِلاك الوحدة والشخصيّة هي النفس الإنسانيّة ، وهي محفوظة عند اللَّه سبحانه غير باطلة ولا معدومة ، وإذا تعلّقت بالبدن المخلوق جديداً كان هو الإنسان الدنيويّ ، كما أنّ الإنسان فِي الدنيا واحد شخصيّ باقٍ على وحدته الشخصيّة مع تغيّر البدن بجميع أجزائه حيناً بعد حين .
والدليل على أنّ النفس التي هي حقيقة الإنسان محفوظة عند اللَّه مع تفرّق أجزاء البدن وفساد صورته قوله تعالى : (وَقالوا ءَإذا ضَلَلْنا في الأرْضِ ءَإنّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِم كافِرونَ * قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ المَوتِ الّذي وُكِّلَ بِكُمْ)۳ حيث استشكلوا فِي المعاد بأنّه تجديد للخلق بعد فناء الإنسان بتفرّق أجزاء بدنه ، فاُجيب عنه بأنّ ملك الموت يتوفّى الإنسان ويأخذه تامّاً كاملاً فلا يضلّ ولا يتلاشى ، وإنّما الضالّ بدنه ولا ضير في ذلك ؛ فإنّ اللَّه يجدّده .