والدليل على أنّ الإنسان المبعوث هو عين الإنسان الدنيويّ لا مثله : جميع آيات القيامة الدالّة على رجوع الإنسان إليه تعالى وبعثه وسؤاله وحسابه ومجازاته بما عمل .
فهذا كلّه يشهد على أنّ المراد بالمماثلة ما ذكرناه ، وإنّما تعرّض لأمر البدن حتّى ينجرّ إلى ذِكر المماثلة محاذاةً لمتن ما استشكلوا به من قولهم : (ءَإذا كُنّا عِظاماً وَرُفاتاً ءَإنّا لَمَبْعوثونَ خَلْقاً جَديداً) فلم يُضمّنوا قولهم إلّا شؤون البدن لا النفس المتوفّاة منه ، وإذا قطع النظر عن النفس كان البدن مماثلاً للبدن ، وإن كان مع اعتبارها عيناً .
وذكر بعضهم : أنّ المراد بمثلهم نفسهم ، فهو من قبيل قولهم : مثلك لا يفعل هذا ؛ أي أنت لا تفعله . وللمناقشة إليه سبيل .
والظاهر أنّ العناية في هذا التركيب أنّ مثلك - لاشتماله على مثل ما فيك من الصفة - لا يفعل هذا ، فأنت لا تفعله لمكان صفتك ، ففيه نفي الفعل بنفي سببه على سبيل الكناية ، وهو آكد من قولنا : أنت لا تفعله .۱
قوله تعالى : (أوَلَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأرْضَ بِقادِرٍ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلّاقُ العَْليمُ)۲الاستفهام للإنكار ، والآية بيان للحجّة السابقة المذكورة في قوله :(قُلْ يُحْييها الَّذي أنْشَأها أوَّلَ مَرَّةٍ ...) إلخ ، ببيان أقرب إلى الذهن ؛ وذلك بتبديل إنشائهم أوّل مرّة من خلق السماوات والأرض الذي هو أكبر من خلق الإنسان ، كما قالَ تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأرْضِ أكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ) .۳
فالآية في معنى قولنا : وكيف يمكن أن يقال : إنّ اللَّه - الذي خلق عوالم السماوات والأرض بما فيها من سعة الخلقة البديعة ، وعجيب النظام العامّ المتضمّن لما لا يُحصى من الأنظمة الجزئيّة المدهشة للعقول المحيّرة للألباب ، والعالم الإنسانيّ
1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۳/۲۰۹ ، ۲۱۰ .
2.يس: ۸۱ .
3.غافر : ۵۷ .