المعاد (صفةُ المحشر) - الصفحه 11

فيما بيننا فِي الدنيا ، فهو نفس الأعمال يُطلع اللَّه الإنسان عليها عياناً ، ولا حجّة كالعيان .
وبذلك يظهر أنّ المراد بالطائر والكتاب في الآية أمر واحد وهو العمل الذي يعمله الإنسان ، غير أ نّه سبحانه قال : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتاباً) ففرّق الكتاب عن الطائر ولم يقل : (وَنُخْرِجُهُ) لئلّا يوهم أنّ العمل إنّما يصير كتاباً يوم القيامة وهو قبل ذلك طائر وليس بكتاب ، أو يوهم أنّ الطائر خفيّ مستور غير خارج قبل يوم القيامة فلا يلائم كونه ملزماً له في عنقه .
وبالجملة : في قوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ) إشارة إلى‏ أنّ كتاب الأعمال بحقائقها مستور عن إدراك الإنسان ، محجوب وراء حجاب الغفلة ، وإنّما يخرجه اللَّه سبحانه للإنسان يوم القيامة فيطلعه على‏ تفاصيله ، وهو المعنيّ بقوله : (يَلقاهُ مَنشُوراً) .
وفي ذلك دلالة على‏ أنّ ذلك أمر مهيّأ له غير مغفول عنه ، فيكون تأكيداً لقوله : (وَكُلَّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائرَهُ في عُنُقِهِ) ؛ لأنّ المحصّل أنّ الإنسان ستناله تبعة عمله لا محالة : أمّا أوّلاً فلأنّه لازم له لا يفارقه ، وأمّا ثانياً فلأنّه مكتوب كتاباً سيظهر له فيلقاه منشوراً.
قوله تعالى‏ : (اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسيباً) أي يقال له: اقرأ كتابك ... إلخ . وقوله : (كَفى‏ بِنَفْسِكَ) الباء فيه زائدة للتأكيد ، وأصله كَفَت نفسُك ، وإنّما لم يؤنّث الفعل لأنّ الفاعل مؤنّث مجازيّ يجوز معه التذكير والتأنيث ، وربّما قيل : إنّه اسم فعل بمعنى اكتفِ والباء غير زائدة ، وربّما وُجِّه بغير ذلك .
وفي الآية دلالة على‏ أن حجّة للكتاب قاطعة بحيث لا يرتاب فيهاقارئه ولو كان هو المجرم نفسه ، وكيف لا ؟! وفيه معاينة نفس العمل وبه الجزاء ، قال تعالى‏ : (لا تَعْتَذِروا اليَوْمَ إنَّما تُجْزَونَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلونَ) .۱

1.التحريم : ۷ .

الصفحه من 16