إلى أن قال : وإن أخذت بالأكثر فالفقير عن الخطر أبعد ، لأنَّ فتنة الغنى أشدُّ من فتنة الفقر .
وقال بعضهم : كلام الناس في أصل المسألة يختلف ، فمنهم من فضَّل الفقر ، ومنهم من فضَّل الغنى ، ومنهم من فضَّل الكفاف ، وكلُّ ذلك خارج عن محلِّ الخلاف أيُّ الحالين أفضل عند اللَّه للعبد حتّى يتكسَّب ذلك ويتخلَّق به ، هل التقلُّل من المال أفضل ليتفرَّغ قلبه عن الشواغل ، وينال لذَّة المناجاة ولاينهمك في الاكتساب ليستريح من طول الحساب ؟ أو التشاغل باكتساب المال أفضل ليستكثر من القرب من البرِّ والصِّلة لما في ذلك من النفع المتعدِّي .
قال: وإذا كانالأمر كذلك فالأفضلما اختاره النبيُّ صلى اللَّه عليه وآله وجمهور أصحابه من التقلُّل في الدنيا والبعد عن زهرتها ، ويبقَى النظر فيمن حصل له شيء من الدنيا بغير تكسُّب منه كالميراث وسهم الغنيمة هل الأفضل أن يبادر إلى إخراجه في وجوه البرِّ حتّى لا يبقى منه شيء أو يتشاغل بتثميره ليستكثر من نفعه المتعدِّي.
قال : وهو على القسمين الأوَّلين .
وقال ابن حجر : مقتضى ذلك أن يبذل إلى أن يبقى في حالة الكفاف ، ولايضرُّ ما يتجدَّد من ذلك إذا سلك هذه الطريقة . ودعوَى أنَّ جمهور الصحابة كانوا علَى التقلُّل والزهد ممنوعة ، فإنّ المشهور من أحوالهم أ نّهم كانوا على قسمين بعد أن فتحت عليهم الفتوح ، فمنهم من أبقى ما بيده مع التقرُّب إلى ربِّه بالبرِّ والصلة والمواساة مع الاتِّصاف بغنَى النفس ، ومنهم من استمرَّ على ما كان عليه قبل ذلك ، وكان لا يُبقي شيئاً ممّا فتح عليه ، وهم قليل ، والأخبار في ذلك متعارضة ، ومن المواضع التي وقع فيها التردُّد من لا شيء له ، فالأولى في حقِّه أن يستكسب للصَّون عن ذلِّ السُّؤال ، أو يترك وينتظر ما يفتح عليه بغير مسألة . انتهى .