الفَقر - الصفحه 13

إلى‏ أن قال : وإن أخذت بالأكثر فالفقير عن الخطر أبعد ، لأنَّ فتنة الغنى‏ أشدُّ من فتنة الفقر .
وقال بعضهم : كلام الناس في أصل المسألة يختلف ، فمنهم من فضَّل الفقر ، ومنهم من فضَّل الغنى‏ ، ومنهم من فضَّل الكفاف ، وكلُّ ذلك خارج عن محلِّ الخلاف أيُّ الحالين أفضل عند اللَّه للعبد حتّى‏ يتكسَّب ذلك ويتخلَّق به ، هل التقلُّل من المال أفضل ليتفرَّغ قلبه عن الشواغل ، وينال لذَّة المناجاة ولاينهمك في الاكتساب ليستريح من طول الحساب ؟ أو التشاغل باكتساب المال أفضل ليستكثر من القرب من البرِّ والصِّلة لما في ذلك من النفع المتعدِّي .
قال: وإذا كان‏الأمر كذلك فالأفضل‏ما اختاره النبيُّ صلى اللَّه عليه وآله وجمهور أصحابه من التقلُّل في الدنيا والبعد عن زهرتها ، ويبقَى النظر فيمن حصل له شي‏ء من الدنيا بغير تكسُّب منه كالميراث وسهم الغنيمة هل الأفضل أن يبادر إلى‏ إخراجه في وجوه البرِّ حتّى‏ لا يبقى‏ منه شي‏ء أو يتشاغل بتثميره ليستكثر من نفعه المتعدِّي.
قال : وهو على القسمين الأوَّلين .
وقال ابن حجر : مقتضى ذلك أن يبذل إلى‏ أن يبقى‏ في حالة الكفاف ، ولايضرُّ ما يتجدَّد من ذلك إذا سلك هذه الطريقة . ودعوَى أنَّ جمهور الصحابة كانوا علَى التقلُّل والزهد ممنوعة ، فإنّ المشهور من أحوالهم أ نّهم كانوا على‏ قسمين بعد أن فتحت عليهم الفتوح ، فمنهم من أبقى‏ ما بيده مع التقرُّب إلى‏ ربِّه بالبرِّ والصلة والمواساة مع الاتِّصاف بغنَى النفس ، ومنهم من استمرَّ على‏ ما كان عليه قبل ذلك ، وكان لا يُبقي شيئاً ممّا فتح عليه ، وهم قليل ، والأخبار في ذلك متعارضة ، ومن المواضع التي وقع فيها التردُّد من لا شي‏ء له ، فالأولى في حقِّه أن يستكسب للصَّون عن ذلِّ السُّؤال ، أو يترك وينتظر ما يفتح عليه بغير مسألة . انتهى‏ .

الصفحه من 28