وبالعلم بدرجة انحراف البلد يمكن للمستعمل أن يشخِّص جهة القبلة .
لكن هذا السعي منهم - شكر اللَّه تعالى سعيهم - لم يَخلُ من النقص والاشتباه من الجهتَين جميعاً . أمّا من جهة الاُولى : فإنّ المتأخّرين من الرياضيّين عثروا على أنّ المتقدّمين اشتبه عليهم الأمر في تشخيص الطول ، واختلّ بذلك حساب الانحراف فتشخيص جهة الكعبة؛ وذلك أنّ طريقهم إلى تشخيص عرض البلاد - وهو ضبط ارتفاع القطب الشماليّ - كان أقرب إلى التحقيق ، بخلاف الطريق إلى تشخيص الطول ، وهو ضبط المسافة بين النقطتين المشتركتين في حادثة سماويّة مشتركة ، كالخسوف بمقدار سَير الشمس حسّاً عندهم ، وهو التقدير بالساعة ، فقد كان هذا بالوسائل القديمة عسيراً وعلى غير دقَّة ، لكنّ توفّر الوسائل وقرب الروابط اليوم سهّل الأمر كلّ التسهيل ، فلم تَزَل الحاجة قائمة على ساق ، حتّى قام الشيخ الفاضل البارع الشهير بالسَّردار الكابُليّ - رحمة اللَّه عليه - في هذه الأواخر بهذا الشّأن ، فاستخرج الانحراف القِبليّ بالاُصول الحديثة ، وعمل فيه رسالته المعروفة ب «تُحفة الأجلّة في معرفة القبلة» . وهي رسالة ظريفة بيّن فيها طريق عمل استخراج القبلة بالبيان الرياضيّ ، ووضع فيها جداول لتعيين قبلة البلاد .
ومن ألطف ما وفِّق له في سعيه - شكر اللَّه سعيه - ما أظهر به كرامة باهرة للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله في محرابه المحفوظ في مسجد النبيّ بالمدينة .
وذلك أنّ المدينة على ما حاسبه القدماء كانت ذات عرض 25 درجة وطول 75 درجة [و ]20 دقيقة ، وكانت لا توافقه قبلة محراب النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في مسجده ، ولذلك كان العلماء لا يزالون باحثين في أمر قبلة المحراب ، وربّما ذكروا في انحرافه وجوهاً لا تصدّقها حقيقة الأمر ، لكنّه رحمة اللَّه عليه أوضح أنّ المدينة على عرض 24 درجة [و]