القِبلَة - الصفحه 8

التي لولاها لم يكن لها حياة ولا كينونة ، وإلى‏ تمثيله تحتاج العبادة في كمالها وثباتها واستقرار تحقّقها .
وقد كانت الوثنيّون وعَبدَة الكواكب وسائر الأجسام من الإنسان وغيره يستقبلون معبوداتهم وآلهتهم ، ويتوجّهون إليهم بالأبدان في أمكنة متقاربة .
لكن دين الأنبياء ونخصّ بالذكر من بينها دين الإسلام الذي يصدّقها جميعاً وضعَ الكعبة قِبلةً ، وأمر باستقبالها في الصلاة ، التي لا يُعذَر فيها مسلم ، أينما كان من أقطار الأرض وآفاقها ، ونهى عن استقبالها واستدبارها في حالات ، ونَدَب إلى‏ ذلك في اُخرى‏ ، فاحتفظ على‏ قلب الإنسان بالتوجّه إلى‏ بيت اللَّه ، وأن لا ينسى‏ ربّه في خلوته وجلوته ، وقيامه وقعوده ، ومنامه ويقظته ، ونُسكه وعبادته حتّى‏ في أخسّ حالاته وأردأها ، فهذا بالنظر إلى الفرد .
وأمّا بالنظر إلى الاجتماع فالأمر أعجب والأثر أجلى‏ وأوقع ؛ فقد جَمعَ الناسَ على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم على التوجّه إلى‏ نقطة واحدة ، يمثّل بذلك وحدتهم الفكريّة وارتباط جامعتهم ، والتئام قلوبهم . وهذا ألطف روح يمكن أن تنفذ في جميع شؤون الأفراد في حيويّتها المادّيّة والمعنويّة ، تعطي من الاجتماع أرقاه ، ومن الوحدة أوفاها وأقواها ، خصّ اللَّه تعالى‏ بها عباده المسلمين ، وحفظ به وحدة دينهم ، وشوكة جمعهم ، حتّى‏ بعد أن تحزّبوا أحزاباً ، وافترقوا مذاهب وطرائق قِدداً ، لا يجتمع منهم اثنان على‏ رأي، نشكر اللَّه تعالى‏ على‏ آلائه.۱

بحث تاريخيّ :

من المتواتر المقطوع به أنّ الذي بنى الكعبة إبراهيم الخليل عليه السلام، وكان القاطنون حولها يومئذ ابنه إسماعيل وجُرهُم‏۲

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱/۳۳۷ .

2.جُرْهُم : حيّ من اليمن نزلوا مكّة وتزوّج فيهم إسماعيل بن إبراهيم‏عليهما السلام، وهم أصهاره ، ثمّ ألحدوا في الحرم فأبادهم اللَّه تعالى‏ . (لسان العرب : ۱۲/۹۷) .

الصفحه من 14