القِصاص‏ - الصفحه 5

وسطاً بين الإلغاء والإثبات ، فأثبت القصاص وألغى‏ تعيّنه بل أجاز العفو والدِّية ، ثمّ عدّل القصاص بالمعادلة بين القاتل والمقتول ، فالحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والاُنثى‏ بالاُنثى‏ .
وقد اعتُرِض علَى القِصاص مطلقاً وعلَى القصاص بالقتل خاصّة بأنّ القوانين المدنيّة التي وضعتها الملل الراقية لا ترى‏ جوازها وإجراءها بين البشر اليوم .
قالوا : إنّ القتل بالقتل ممّا يستهجنه الإنسان وينفر عنه طبعه ويمنع عنه وجدانه إذا عرض عليه رحمة وخدمة للإنسانيّة . وقالوا : إذا كان القتل الأوّل فقداً لفرد فالقتل الثاني فقد على‏ فقد . وقالوا : إنّ القتل بالقصاص من القسوة وحبّ الانتقام ، وهذه صفة يجب أن تُزاح عن الناس بالتربية العامّة ويؤخذ في القاتل أيضاً بعقوبة التربية ، وذلك إنّما يكون بما دون القتل من السجن والأعمال الشاقّة . وقالوا : إنّ المجرم إنّما يكون مجرماً إذا كان مريض العقل ، فالواجب أن يوضع القاتل المجرم في المستشفيات العقليّة ويعالَج فيها . وقالوا : إنّ القوانين المدنيّة تتبع الاجتماع الموجود ، ولمّا كان الاجتماع غير ثابت على‏ حال واحد كانت القوانين كذلك ، فلا وجه لثبوت القصاص بين الاجتماع للأبد حتّى الاجتماعات الراقية اليوم ، ومن اللازم أن يستفيد الاجتماع من وجود أفرادها ما استيسر ، ومن الممكن أن يعاقب المجرم بما دون القتل ممّا يعادل القتل من حيث الثمرة والنتيجة كحبس الأبد أو حبس مدّة سنين ، وفيه الجمع بين الحقّين : حقّ المجتمع وحقّ أولياء الدم ، فهذه الوجوه عمدة ما ذكره المنكرون لتشريع القصاص بالقتل.
وقد أجاب القرآن عن جميع هذه الوجوه بكلمة واحدة ، وهي قوله تعالى‏ : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ في الأرْضِ فَكأ نَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً ومَنْ أحْياها فَكَأ نَّما أحْيَا الناسَ جَمِيعاً)۱.

1.المائدة : ۳۲ .

الصفحه من 10