القِصاص‏ - الصفحه 6

بيان ذلك : أنّ القوانين الجارية بين أفراد الإنسان وإن كانت وضعية اعتبارية يراعى‏ فيها مصالح الاجتماع الإنسانيّ غير أنّ العلّة العاملة فيها من أصلها هي الطبيعة الخارجيّة الإنسانيّة الداعية إلى‏ تكميل نقصها ورفع حوائجها التكوينيّة ، وهذه الواقعيّة الخارجيّة ليست هي العدد العارض علَى الإنسان ولا الهيئة الواحدة الاجتماعيّة ، فإنّها نفسها من صُنع الوجود الكونيّ الإنسانيّ بل هي الإنسان وطبيعته ، وليس بين الواحد من الإنسان والاُلوف المجتمعة منه فرق في أنّ الجميع إنسان ووزن الواحد والجميع واحد من حيث الوجود .
وهذه الطبيعة الوجوديّة تَجهّزت في نفسها بقوىً وأدوات تدفع بها عن نفسها العدم لكونها مفطورة على‏ حبِّ الوجود ، وتطرد كلّ ما يسلب عنه الحياة بأيّ وسيلة أمكنت وإلى أيّ غاية بلغت حتّى القتل والإعدام ، ولذا لا تجد إنساناً لا تقضي فطرته بتجويز قتل من يريد قتله ولا ينتهي عنه إلّا به ، وهذه الاُمم الراقية أنفسهم لا يتوقّفون عن الحرب دفاعاً عن استقلالهم وحُرّيّتهم وقوميّتهم ، فكيف بمن أراد قتل نفوسهم عن آخرها ، ويدفعون عن بطلان القانون بالغاً ما بلغ حتّى‏ بالقتل ويتوسّلون إلى‏ حفظ منافعهم بالحرب إذا لم يعالج الداء بغيرها ، تلك الحرب التي فيها فناء الدنيا وهلاك الحرث والنسل ولا يزال ملل يتقدمون بالتسليحات وآخرون يتجهّزون بما يجاوبهم ، وليس ذلك كلّه إلّا رعاية لحال الاجتماع وحفظاً لحياته ، وليس الاجتماع إلّا صنيعة من صنايع الطبيعة فما بال الطبيعة يجوّز القتل الذريع والإفناء والإبادة لحفظ صنيعة من صنائعها - وهي الاجتماع المدنيّ - ولا تجوّزها لحفظ حياة نفسها ؟ ! وما بالها تجوّز قتل من يهمّ بالقتل ولم يفعل ولا تجوّزه فيمن همّ وفعل ؟ ! وما بال الطبيعة تقضي

الصفحه من 10