بيان ذلك : أنّ القوانين الجارية بين أفراد الإنسان وإن كانت وضعية اعتبارية يراعى فيها مصالح الاجتماع الإنسانيّ غير أنّ العلّة العاملة فيها من أصلها هي الطبيعة الخارجيّة الإنسانيّة الداعية إلى تكميل نقصها ورفع حوائجها التكوينيّة ، وهذه الواقعيّة الخارجيّة ليست هي العدد العارض علَى الإنسان ولا الهيئة الواحدة الاجتماعيّة ، فإنّها نفسها من صُنع الوجود الكونيّ الإنسانيّ بل هي الإنسان وطبيعته ، وليس بين الواحد من الإنسان والاُلوف المجتمعة منه فرق في أنّ الجميع إنسان ووزن الواحد والجميع واحد من حيث الوجود .
وهذه الطبيعة الوجوديّة تَجهّزت في نفسها بقوىً وأدوات تدفع بها عن نفسها العدم لكونها مفطورة على حبِّ الوجود ، وتطرد كلّ ما يسلب عنه الحياة بأيّ وسيلة أمكنت وإلى أيّ غاية بلغت حتّى القتل والإعدام ، ولذا لا تجد إنساناً لا تقضي فطرته بتجويز قتل من يريد قتله ولا ينتهي عنه إلّا به ، وهذه الاُمم الراقية أنفسهم لا يتوقّفون عن الحرب دفاعاً عن استقلالهم وحُرّيّتهم وقوميّتهم ، فكيف بمن أراد قتل نفوسهم عن آخرها ، ويدفعون عن بطلان القانون بالغاً ما بلغ حتّى بالقتل ويتوسّلون إلى حفظ منافعهم بالحرب إذا لم يعالج الداء بغيرها ، تلك الحرب التي فيها فناء الدنيا وهلاك الحرث والنسل ولا يزال ملل يتقدمون بالتسليحات وآخرون يتجهّزون بما يجاوبهم ، وليس ذلك كلّه إلّا رعاية لحال الاجتماع وحفظاً لحياته ، وليس الاجتماع إلّا صنيعة من صنايع الطبيعة فما بال الطبيعة يجوّز القتل الذريع والإفناء والإبادة لحفظ صنيعة من صنائعها - وهي الاجتماع المدنيّ - ولا تجوّزها لحفظ حياة نفسها ؟ ! وما بالها تجوّز قتل من يهمّ بالقتل ولم يفعل ولا تجوّزه فيمن همّ وفعل ؟ ! وما بال الطبيعة تقضي