وأمّا غير هؤلاء الاُمم فالأمر فيها على خلاف ذلك ، والدليل عليه ما نشاهده من حال الناس وأرباب الفجيعة والفساد فلا يخوّفهم حبس ولا عمل شاقّ ولا يصدّهم وعظ ونصح ، وما لهم من همّة ولا ثبات على حقّ إنسانيّ ، والحياة المعدّة لهم في السجون أرفق وأعلى وأسنى ممّا لهم في أنفسهم من المعيشة الرديّة الشقيّة ، فلا يُوحشهم لوم ولا ذمّ ، ولا يدهشهم سجن ولا ضرب ، وما نشاهده أيضاً من ازدياد عدد الفجائع في الاحصاءات يوماً فيوماً ؛ فالحكم العامّ الشامل للفريقين - والأغلب منهما الثاني - لا يكون إلّا القصاص وجواز العفو ، فلو رقت الاُمّة ورُبِّيت تربية ناجحة أخَذَت بالعفو - والإسلام لايألو جهده في التربية - ولو لم يسلك إلّا الانحطاط أو كفرت بأنعم ربّها وفَسَقت أُخِذ فيهم بالقصاص ويجوز معه العفو .
وأمّا ما ذكروه من حديث الرحمة والرأفة بالإنسانيّة فما كلّ رأفة بمحمودة ولا كلّ رحمة فضيلة، فاستعمال الرحمة في مورد الجاني القَسِيّ والعاصي المتخلّف المتمرّد والمتعدّي علَى النفس والعرض جفاء على صالح الأفراد ، وفي استعمالها المطلق اختلال النظام وهلاك الإنسانيّة وإبطال الفضيلة .
وأمّا ما ذكروه أ نّه من القسوة وحبّ الانتقام فالقول فيه كسابقه ، فالانتقام للمظلوم من ظالمه استظهاراً للعدل والحقّ ليس بمذموم قبيح ، ولا حبّ العدل من رذائل الصفات ، على أنّ تشريع القصاص بالقتل غير مُمحَّض في الانتقام ، بل فيه مِلاك التربية العامّة وسدّ باب الفساد.
وأمّا ما ذكروه من كون جناية القتل من الأمراض العقليّة التي يجب أن يعالج في المستشفيات فهو من الأعذار - ونِعم العُذر - الموجبة لشيوع القتل والفحشاء ونماء الجناية