ونظير الاعتبارين جارٍ في مرحلة التشريع وحكمه القاطع بأمر وفصله القول فيه قضاء منه .
وعلى ذلك جرى كلامه تعالى فيما أشار فيه إلى هذه الحقيقة ، قال تعالى : (وإذا قَضى أمراً فإنَّما يَقولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)۱ ، وقال : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَومَيْنِ)۲ ، وقال : (قُضِيَ الأَمرُ الّذي فيهِ تَسْتَفْتِيانِ)۳ ، وقال : (وقَضَيْنا إلى بَني إسْرائيلَ في الكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرضِ مَرَّتَيْنِ)۴ إلى غير ذلك من الآيات المتعرّضة للقضاء التكوينيّ .
ومن الآيات المتعرّضة للقضاء التشريعيّ قوله : (وقَضى رَبُّكَ أ لّا تَعْبُدُوا إلّا إيّاهُ وبِالوالِدَينِ إحْساناً)۵ وقوله : (إنَّ ربَّكَ يَقضي بَينَهُم يَومَ القِيامَةِ فيما كانُوا فيهِ يَختَلِفونَ)۶ ، وقوله : (وقُضِيَ بَينَهُم بالحَقِّ وقيلَ الحَمدُ للَّهِِ رَبِّ العالَمينَ)۷ ، وما في الآية وما قبلها من القضاء بمعنى فصل الخصومة تشريعيّ بوجه وتكوينيّ بآخر .
فالآيات الكريمة - كما ترى - تُمضي صحّة هذين الاعتبارين العقلييّن في الأشياء الكونيّة من جهة أنّها أفعاله تعالى، وكذا في التشريع الإلهيّ من جهة أ نّه فعله التشريعيّ ، وكذا فيما يُنسَب إليه تعالى من الحكم الفصل . وربّما عبّر عنه بالحكم والقول بعناية اُخرى ، قال تعالى : (ألا لهُ الحُكْمُ)۸ ، وقال : (واللَّهُ يَحكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)۹، وقال : (ما يُبَدَّلُ القَولُ لَدَيَّ)۱۰ ، وقال : (والحَقَّ أقولُ)۱۱ .
2 - نظرة فلسفيّة في معنَى القضاء
لا ريب أنّ قانون العلّيّة والمعلوليّة ثابت ، وأنّ الموجود الممكن معلول له سبحانه إمّا بلا واسطة [أو ]معها ، وأنّ المعلول إذا نسب إلى علّته التامّة كان له منها الضرورة والوجوب ، إذ ما لم يجب لم يوجد ، وإذا لم ينسب إليها