الأمثال‏ - الصفحه 19

فهولاء قومٌ اُلهوا عن ذكر ربّهم والأعمال الصالحة الهادية إلى‏ نوره وفيه سعادتهم، وحَسِبوا أنّ سعادتهم عند غيره من الآلهة الذين يدعونهم ، والأعمال المقرّبة إليهم وفيها سعادتهم، فأكبّوا على‏ تلك الأعمال السرابيّة واستوفَوا بما يُمكنهم أن يأتوا بها مدّة أعمارهم، حتّى‏ حلّت آجالهم وشارفوا الدار الآخرة، فلم يجدوا شيئاً ممّا يؤمّلونه من أعمالهم، ولا أثراً من اُلوهيّة آلهتهم، فوفّاهم اللَّه حسابهم واللَّه سريع الحساب .
وقوله : (واللَّهُ سَريعُ الحِسابِ) إنّما هو لإحاطة علمه بالقليل والكثير، والحقير والخطير، والدقيق والجليل، والمتقدّم والمتأخّر على‏ حدٍّ سواءٍ .
واعلم أنّ الآية وإن كان ظاهرها بيان حال الكفّار من أهل الملل وخاصّة المشركين من الوثنيّين ، لكنّ البيان جارٍ في غيرهم من منكري الصانع ؛ فإنّ الإنسان كائناً من كان يرى‏ لنفسه سعادةً في الحياة ، ولا يرتاب أنّ الوسيلة إلى‏ نيلها أعماله التي يأتي بها ، فإن كان ممّن يقول بالصانع ويراه المؤثّر في سعادته بوجهٍ من الوجوه توسّل بأعماله إلى‏ تحصيل رضاه والفوز بالسّعادة التي يُقدّرها له . وإن كان ممّن يُنكره ويُنهي التأثير إلى‏ غيره توسّل بأعماله إلى‏ توجيه ما يقول به من المؤثّر كالدهر والطّبيعة والمادّة نحو سعادة حياته الدُّنيا التي لايقول بما وراءها .
فهؤلاء يَرَون المؤثّر الذي بيده سعادة حياتهم غيره تعالى‏ ، ولا مؤثّر غيره. ويَرَون مساعيهم الدنيويّة موصلةً لهم إلى‏ سعادتهم وليست إلّا سراباً لاحقيقةَ له . ولا يزالون يسعون حتّى‏ إذا تمّ ما قُدّر لهم من الأعمال بحلول ما سُمّي لهم من الآجال لم يجدوا عندها شيئاً ، وعاينوا أنّ ما كانوا يتمنّون منها لم يكن إلّا طائف خَيالٍ أو حلم نائمٍ ، وعند ذلك يوفّيهم اللَّه حسابهم واللَّه سريع الحساب .
قوله تعالى‏ : (أوْ كَظُلُماتٍ في بَحْرٍ

الصفحه من 44