الأمثال‏ - الصفحه 29

أن يلتزموا وسط الطريق ويجتنبوا حاشيتَي الإفراط والتفريط .
وأمّا السؤال - أعني ما في قوله : (هَلْ يَسْتَوي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ ...) إلخ - فهو سؤالٌ لاجواب له إلّا النفي لاشكّ فيه ، وبه يثبت أنّ ما يعبدونه من دون اللَّه من الأصنام والأوثان - وهو مسلوب القدرة لايستطيع أن يهتدي من نفسه ولا أن يهدي غيره - لايساوي اللَّه تعالى‏، وهو على‏ صراط مستقيم في نفسه هادٍ لغيره بإرسال الرسل وتشريع الشرائع .
ومنه يظهر أنّ هذا المَثَل المضروب في الآية في معنى‏ قوله تعالى‏ : (أفَمَنْ يَهْدِي إلى‏ الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمْ مَنْ لا يَهِدِّي إلّا أنْ يُهْدى‏ فمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمونَ)۱؛ فاللَّه سبحانه على‏ صراط مستقيم في صفاته وأفعاله ، ومن استقامة صراطه أن يجعل لِما خلقه من الأشياء غاياتٍ تتوجّه إليها فلا يكون الخلق باطلاً ، كما قال : (ومَا خَلَقْنا السَّماء والأرْضَ ومَابَيْنَهُما باطِلاً)۲، وأن يهدي كلّاً إلى‏ غايته الّتي تخصّه كما خلقها وجعل لها غايةً ، كما قال : (الّذي أعْطَى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏)۳ ، فيهدي الإنسان إلى‏ سبيل قاصد كما قال : (وَعَلَى‏ اللَّهِ قَصْدُ السَّبيلِ)۴ ، وقال : (إنّا هَدَيْناهُ السَّبيلَ) .۵
وهذا أصل الحجّة علَى النبوّة والتشريع . وقد مرّ تمامه في أبحاث النبوّة في الجزء الثاني، وفي قصص نوحٍ في الجزء العاشر من الكتاب .
فقد تحصّل : أنّ الغرض من المثل المضروب في الآية إقامة حجّة علَى التوحيد مع إشارة إلَى النبوّة والتشريع .
وقيل : إنّه مثل مضروب فيمن يؤمّل منه الخير ومن لايؤمّل منه . وأصل الخير كلّه من اللَّه تعالى‏، فكيف يستوي بينه وبين شي‏ء سواه في العبادة ؟ !
وفيه : أنّ المورد أخصّ من ذلك ، فهو مثل مضروب فيمن هو على‏ خير في نفسه وهو يأمر بالعدل وهو شأنه تعالى‏ دون غيره، على‏ أنّهم لا يساوون

1.يونس : ۳۵ .

2.ص : ۲۷ .

3.طه : ۵۰ .

4.النحل : ۹ .

5.الدهر : ۳ .

الصفحه من 44